لا يخفى على احد ان ​الليرة اللبنانية​ وقعت ضحية الكباش السياسي الاقليمي-الدولي وتركت اللبنانيين في وضع حرج، وهبطت بقيمة القدرة الشرائية لليرة من اماكن عالية جداً (كان سعر صرف الدولار الاميركي يساوي نحو 3 ليرات لبنانية فقط) الى ما هي عليه اليوم. رضي اللبنانيون مرغمين بما حصل، وارتضوا ان تكون ليرتهم عالقة في مرتبة واحدة لعقود من الزمن (ما بين 1500-1507 ليرات لكل دولار اميركي)، ولكن اليوم، ظهر من يهدد وضع الليرة ويضعها مجدداً على طاولة القمار السياسي، من خلال الحديث عن امكان ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو امر يهدد اسلوب عيش اللبنانيين الذين اعتادوا على تقسيم مدخولهم وفق المعادلة الثابتة التي لم تتحرك لليرة مقابل الدولار.

وازاء هذا التهديد الذي يتم التداول فيه بشكل غير رسمي طبعاً، انما في الصالونات الاجتماعية والاقتصادية، تأكد المواطنون ان السبب لا يعود الى احداث وتطورات امنية او عسكرية او سياسة دولية، بل مشكلة محلية يحاول البعض حلها على حساب ترويع الوضع الاقتصادي والمالي. وفي عودة سريعة الى بعض الاحداث المفصلية التي مرّ بها لبنان، نرى انها لم تؤثر على سعر صرف الليرة اللبنانية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ودخول لبنان في معادلة محلية واقليمية ودولية جديدة، الفراغ الرئاسي اكثر من مرة ولفترات متفاوتة، حرب اسرائيل على لبنان عام 2006 والتي شلّت البلد واستقطبت الاهتمام العالمي لاكثر من شهر، الانهيار الاقنصادي العالمي الذي عاشته دول كبرى، الحرب في سوريا التي لا تزال قائمة منذ سبع سنوات وما خلّفته من تأثير على لبنان على الصعد الامنية والعسكرية والاقتصادية والانسانية والحياتية (اضافة طبعاً الى استقبال اكثر من مليون ونصف مليون لاجىء سوري على الاراضي اللبنانية)، الازمة مع دول الخليج وتهديد هذه الدول بسحب الودائع ووقف المساعدات المالية الى لبنان...

كل هذه الاحداث البالغة الاهمية والتعقيد، لم تنجح في هز العلاقة الثابتة القائمة بين الليرة والدولار، فما الذي دفع اليوم البعض الى اثارة هذا الموضوع من زاوية مريبة؟ الجواب الاقرب الى المنطق والعقل والمواكب للتطورات، يفيد ان المسألة محصورة بغايات شخصية للبعض، ولذلك فمن المستبعد تماماً ان يشهد الوضع النقدي اي تغيير في المعادلة القائمة، لان تداعياتها لن تنحصر فقط بالوضع المالي والاقتصادي بطبيعة الحال، بل ستتعداه الى الوضع السياسي وربما الامني وهو خط احمر لن يسمح لاحد بتجاوزه. اضافة الى ذلك، فإن اللعب على هذا الوتر عشية الحديث عن نشاط كثيف للوصول الى قانون انتخابي جديد، من شأنه ان يشكّل سابقة يتخوف ان تتكرر عند كل استحقاق او حدث، بحيث تؤخذ الليرة رهينة لتحقيق مطالب معينة اكانت على مستوى التعيينات او مشاريع قوانين او مشاريع سياسية وسياحية وبيئية وحياتية... من هنا، تبدو الاحاديث عن حصول اهتزاز نقدي اقرب الى "جس النبض" منه الى التنفيذ، فلا الارضية اللبنانية قادرة على استيعاب مثل هذا الامر، ولا الساحة الاقليمية والدولية مستعدة للتعاطي مع مشكلة جديدة تنطلق من لبنان وقد تنتشر الى دول الجوار، خصوصاً في هذا الوقت الحرج الذي بات يضغط على الجميع ومع اقتراب استحقاقات كبيرة عى غرار الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومصير المفاوضات السورية، والحركة العسكرية القائمة في سوريا والعراق.

واذا صحت بالفعل تقديرات وتوقعات المتابعين، وتبيّن ان الهدف من وراء هذا الشائعات هو من اجل مصالح شخصية، فهل يجب ان يدفع المواطن دائماً ثمن حروب الشخصيات النافذة، لان القلق والخوف ليسا ثمناً زهيداً يمكن دفعه وبالاخص عندما يتعق الامر بمصير عائلات ومستقبلها. فمن هو هذا الذي يهدد الليرة واللبناني في لقمة عيشه؟