في طريقه إلى ساحة النجمة لحضور الجلسة النيابية المقررة الخميس، سيُصادف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار تجمعاً شعبياً لأنصار "التيار الوطني الحر" على أحد مداخل وسط بيروت. فلنتخيل المشهد ببساطة. سيمنعون سيارته من التقدم بإتجاه ساحة النجمة. سيفتح عمار نافذة السيارة، قد يترجل منها لإلقاء التحية على شباب أتوا من بعبدا تلبية لدعوة القيادة البرتقالية بالتظاهر. تخيّلوا لو أصروا على قطع الطريق. سيرد عليهم عمار: أنا آتٍ إلى المجلس لإقرار التمديد منعاً للفراغ، لا هرباً من الانتخابات النيابية. سيعبّر على طريقته، وبلكنته "البرجاوية" أنه لن يتفرج على فراغ يطيح بالمؤسسة الأم، ويجرّ الأزمات. سيقول: نحن قدمنا مشروعاً رفضه رئيس تياركم-حليفنا وزير الخارجيّة جبران باسيل، مع ان العونيين قدموا طيلة السنوات الماضية المطالعات الانحيازية لصيغة النسبيّة.

النائب علي عمار الذي خبره العونيون نصيراً لهم، كما كل نواب حزب الله، لن يكون محرجاً في الدفاع عن المشاركة بالجلسة. بالنسبة إلى فريقه، هي ضرورة تفرضها الهواجس من تداعيات الفراغ: لا مجلس نيابي يعني حكومة مشلولة، وعهداً معطّلاً، في زمن إقليمي صعب.

سيصُاب المعتصمون العونيون بالحيرة. هل يفتحون الطريق للحاج علي؟ قد يفكرون بذلك إيماناً بالتجربة التي رسخت في أذهان العونيين أن حزب الله منحاز لمصالحهم. قد تمر في أذهانهم محطات سنتين ونصف من مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس. يومها بقي الحزب ملتزماً بوعده إلى جانب التيار البرتقالي. قبلها أيضًا، لم تقبل كل قوى "8 اذار" المشاركة بحكومات لا تلبي شروط "التيار الوطني الحر" بتوزير باسيل. صفحات تعاون سياسي وتنسيق يومي بين الحزب والتيار على مر السنوات الماضية منذ توقيع التفاهم بينهما عام 2006. حمل العونيون صور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورفعوا رايات صفراء إلى جانب البرتقالية. كذلك رفع أنصار الحزب صور "الجنرال" قبل أن يُصبح رئيسا. ستمر تلك المشاهد سريعة في مخيلة العونيين. لكن ما هو القرار؟ هل يمرّ عمار بإتجاه ساحة النجمة؟.

بالطبع لن يتحدث نائب الضاحية كثيراً. لكنه سيُمعن النظر في المشهد. قد يجد بين صفوف مناصري التيار قواتيين، بالتأكيد سيُصرّون على منع عمار من سلوك الطريق. ماذا لو تكررت الشعارات التي رفعت ضد الحزب على وسائل التواصل الإجتماعي؟ سيسمعها العونيون وعمار. ردة الفعل لا يمكن تخيلها هنا. بالطبع سيتغلّب عليها تحالف الاستراتيجيات. العونيون لا يقبلون المس بالمقاومة. هم تبادلوا معها الوفاء بالوفاء. فالحزب أصر على انتخاب عون رئيساً للجمهورية. المقاومة حمت ولا تزال لبنان من الإرهاب وخصوصا على الحدود الشرقية. لم يغب عن البال مشهد الذين سقطوا شهداء لإجهاض المشروع التكفيري في المناطق السورية، حيث خط الدفاع الأول. تحضر سريعاً في الرأس معلولا وحلب. كلها تؤكد للجمهور العوني أن هناك من دفع دماً لحماية المكونات اللبنانية، وهو لن يقبل بالتفريط بحقوق المسيحيين.

يستعد عمار لمزيد من النقاش سريعاً مع الشباب. سيقول: نحن مع النسبية. سيذكر العونيون انهم هم من نادوا طويلا بتلك الصيغة. ماذا حلّ إذاً الآن؟ لماذا الخوف من النسبية الكاملة؟ نعم الاثنان مع النسبية.

لكن سيقول المعتصمون: لا نريد التمديد؟ سيرد عمار: ونحن أيضاً. لكن لماذا آت يا حاج علي إلى المجلس النيابي! سيجاوبهم: كي امنع الفراغ. كي احافظ على ديمومة عمل المؤسسات وامنع فرط الدولة. قد يقتنع المعتصمون من كلام عمار، لكن ما العمل؟ هل يمر؟ يجادله احدهم: لا مشكلة بالفراغ. أفضل.

قد يرد هو بسؤاله المعتصمين: ماذا سيجر الفراغ؟ انحدار سياسي ودستوري، يضرب الميثاقية.

الكل سيقتنع بكلام عمار. ويمر في طريقه. لكن الشارع يبقى مقطوعا بالمظاهرات. يتناقش من بعده الشباب بالخطوات التي تم طرحها على قاعدة: الفراغ يولد أزمات وجودية. يستحضرون سريعاً التهديدات التي تجري بحق المسيحيين من العراق إلى مصر مرورا بسوريا. فهل يتحمل لبنان خضات سياسية وأمنية وعسكرية؟ قد تولّد الأزمات القائمة حرباً أهلية. لم لا! التحشيد قائم والفتائل متوافرة.

عندها تقود نتائج الحرب إلى مؤتمر تأسيسي يحاكي عملياً مستجدات المنطقة. فهل تلوح مشاريع الكانتونات في أفكار من يؤيدها؟.