مع موت المسيح للوهلة الأولى بدا وان كل شيء قد انتهى. ولكن والحق يقال، لقد بدأ كل شيء. بداية جديدة للبشرية في علاقتها بالرب. بداية جديدة انطلقت من القبر الفارغ. بداية جديدة انطلقت من ظهوات المسيح وتقويته لإيمان الرسل. بداية انطلقت من العنصرة فشهد الرسل لقيامة المسيح واستشهدوا له. شهدوا واستشهدوا لموته وقيامته. لأنه لو لم يمت المسيح لما كانت القيامة. ولو لم يقم المسيح لما كانت الحياة. ولما كتب الإنجيل. ولما انطلق الرسل يكرزون بالبشرى السارة في اقاصي الأرض كلها. ولما تأسست كنيسة. ولما استشهد ويستشهد رجال ونساء من أجل الشهادة ل​يسوع المسيح​. وسيبقى رجال ونساء يستشهدون ويقولون: المسيح قام، حقا قام.

نعم، لولا قيامة المسيح، لما احتفل المسيحيون بعيد. ولما بدت على وجوههم علامات الفرح والانشراح والإقدام. ولما انطلقوا يبشرون بسرور واقتناع كلي. القيامة فتحت أمامنا أفاقا جديدة. القيامة اساس انطلاقة المسيحيين. القيامة ضمانة الانتصار. انتصار الحياة على الموت. انتصار الحقيقة على الكذب والغش. انتصار العدل على الظلم.انتصار المحبة على البغض. يقول لنا الإنجيل: ولما انقضى يوم السبت اشترت مريم المجدلية ومريم ام يعقوب وسالومة طيبا ليأتين فيطيّبنه. وعند فجر الاحد جئن الى القبر. وبقدر ما تقترب النسوة من القبر بقدر ذلك ينتقلن من الظلام الى النور. ووصلن القبر وكانت الشمس قد أشرقت. هو المعنى المادي والمعنى الروحي: شمس البر يسوع المسيح. وكُنّ يقلن بعضهن لبعض "من يدحرج لنا الحجر"؟. الحجر كبير جدا ولكن عندما يتدخل الله فكل شيء يصبح سهل المنال.

القيامة دحرجة حجر، إزاحة كل ما يمنع لقاءنا بيسوع. نحن اليوم بأمس الحاجة ان يدحرج عنا حجر البغض والقتل والتشريد والتخوين، واليأس والحزن والتهجير، والخوف والتقوقع والتذمر، وأن نفرض احترام العالم لنا، كمسحيين لبنانيين مشرقيين.

علينا الاّ نستحي كمسيحيي لبنانيين او مشرقيين. انتهينا من الوقوف والانتظار على ابواب السفارات. حبذا لو برأس مرفوع ومتواضع نفتخر بجواز سفرنا اللبناني المطبوع عليه صورة ارز الربّ.

علينا أن ننتهي من بيع اراضينا. ومن يكون الشعب مسخّرًا لخدمة المسؤولين وليس العكس. فالقيامة عمل الله فينا. الّذي يدعونا الى العمل الانمائي الاجتماعي من اجل أنْسَنَةِ الانسان.

فالقيامة ليست حدثا مفرحا ليوم واحد، إنما تجديد دائم لمسيرة الإيمان بيسوع المسيح رغم جميع الضغوطات الاجتماعيّة والحياتيّة.

وكثيرا ما نسأل اين اله القيامة من كل ما يحدث من ظلم وجور وفساد واضطهاد وانتهاك لكرامة الانسان.

وكثيرا ما نسأل أين حضور الله من القيامة بيننا وكيف يسكت عن هذه الشرور وقتل الملايين؟ وكثيرا ما نسأل أين أنت يا إله القيامة؟ وللإنسان افكاره وتطلعاته ولله التدبير. ينتظر الله منا ان نحمل الطيوب لكل مظلوم وبائس وفقير. ينتظر الله منا أن نحمل الطيوب لكل مشرد ومهجر ولكل مهان بكرامته ولقمة عيشه. ينتظر الله منا أن نحمل الطيوب لمن انتهكت وسلبت منه الحياة وسنجده سبقنا اليه وأقام فينا حياة جديدة. فقيامة المسيح فتحت لنا باب الامل والرجاء. أصبح لحياتنا معنى. واتجاهنا نحو الله. تدعونا القيامة الى الفرح. فلولاها لكنا من أتعس الناس يقول لنا القديس بولس. تدعونا القيامة إلى نبذ الانسان العتيق وارتداء الانسان الجديد. والى انطلاقة جديدة نحو الاخرين بأصوات التهليل والفرح وترانيم المجد والانتصار. من يستطيع إسكاتنا بعد الان؟ لا المال الذي قدمه قيافا الى حراس القبر. ولا التهديدات التي وجهها الفريسيون وأزلامهم الى الرسل. ولا العذاب وهدر الدم الذي تعرض له المسيحيون الأوّلون لأنّ دم الشهداء كان شبيها ببذور ينبت مسيحيين كُثُر.