هل فاجأ القرار الصادر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استخدام صلاحياته لارجاء انعقاد مجلس النواب لمدّة شهر؟ كلا، فهو لم يفاجىء من حيث المضمون العارفين والقارئين في كتاب عون، انما من حيث التوقيت والشكل فقط. مشكلة ان الصراع الخفي بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب نبيه بري لا يزال قائماً منذ اللحظة الاولى التي حسمت انتخاب العماد عون، وعلى الرغم من كل "ادوات التجميل" التي وضعت لتجميل العلاقة، الا انها لم تنجح في تغطية الكيمياء المفقود بين بري من جهة وعون ورئيس "التيار الوطني الحر" ووزير الخارجيّة جبران باسيل من جهة ثانية.

قيل الكثير عن اتفاق عقد بين الاطراف للخروج بهذا القرار، ولكن مصادر مطلعة اكدت ان الامر لم يكن كذلك، وان رد عون على قرار بري عقد جلسة لمجلس النواب بشكل سريع في خضم المعمعة السائدة بالنسبة الى ​قانون الانتخاب​، كان لا بد ان يجابه بقرار دون تشاور مع بري، قضى بالارجاء. صحيح ان اتصالات عدة حصلت لنزع فتيل التوتر ولكن القرار كان قد اتخذ، ونجحت الاتصالات في تهدئة الاجواء دون ان تنجح في اقتلاع المشكلة بين عون وبري.

حماوة الشارع كانت تتصاعد، وكان يمكن في المقابل التهديد بالشارع المقابل، وهنا تؤكد المصادر انه لو وصلت الامور الى هذا الحد لما كانت القوى الامنية سمحت بحصول اشتباكات، ولكانت تعاملت بالطريقة نفسها التي تم التعامل فيها مع الشارعين المتضادين في العام 2005. ولكن هذا لا يعني ان البلد لم يكن امام شلل اقتصادي واجتماعي ربما، ولكانت المسألة ربما اعادت خلط الاوراق السياسية وادت الى ظهور تحالفات جديدة وانقسام جديد على الصعيد السياسي.

هذه الورقة سقطت بفعل القرار الرئاسي، ولكن ماذا بعد انقضاء مهلة الشهر؟ المخارج ليست بالكثيرة، ورداً على ما يقوله البعض عن امكان حلّ مجلس النواب، فهذا الامر غير وارد بتاتاً، اولاً لعدم قدرة الرئيس على الاقدام على هذه الخطوة بعد التعديلات الدستورية التي اقرها الطائف، وهو يحتاج الى قرار الحكومة في هذا المجال، والكل يعلم مدى قساوة القيود التي تكبّل الحكومة عند الوصول الى قرارات في مثل هذا الحجم، علماً ان مسألة التصويت غالباً ما تكون بمثابة "كأس مرّة" يتفادى الوزراء تجرعها مراراً وتكراراً، لذلك، فالكرة تعود الى بري وعندها سيأخذ الصراع (في حال عدم الاتفاق على قانون انتخابي جديد)، منحى آخر لان الكرة دستورياً، ستكون لدى رئيس المجلس.

الحلّ الثاني هو التلويح بالشارع، وعندها كما قلنا، سنعود الى الشلل مع ضغط دولي لاجراء الانتخابات وفق قانون الستّين وعدم ارجائها لان الخارج سيطرح مخاوفه من التأثير على الوضع الامني الذي لا يمكن لاحد المساس به.

اما الفراغ في المجلس النيابي فهي نقطة لن تصل كي يتم طرحها على الطاولة، لأنّ غالبية القوى السياسية ستسير عندها مع دعم المجلس وربما دعم القانون الانتخابي السائد حالياً، ولن يكون باستطاعة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ان يقفوا في وجه القوى الاخرى. من هنا، ترى المصادر ان طرح التمديد هو "ترهيب" للعودة الى الستين، لانه عند استنفاذ الحلول، سيكون الستين أهون الشرّين...

ليس الموضوع سهلاً كما يبدو، فالمجلس النيابي الجديد هو مطلب للجميع والكل يتبارز لكسب فوائد ابصاره النور، والاستفادة من تقديماته للمرحلة المقبلة مع كل ما يعنيه ذلك من ميزات تتعلق بالتشريع، والذي سيضاف الى امتداد النفوذ الى السلطة الاجرائية القائمة، والاخذ في الاعتبار ايضاً امكان التمديد على غرار كل ما يحصل في البلد، فيصبح المجلس مرافقاً للعهد ويمكنه ان يكون رفيقاً او خصماً له وهو امر منوط بطريقة التعاطي بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي حيث لا يتوقع احد ان يتغيّرا وبالتحديد الثاني، أقله في الولاية المنظورة.