على الرغم من مُحاولات التطمين بأنّه لن يكون هناك فراغ على مُستوى السلطة التشريعيّة، وحتى بأنّه لن يكون هناك تمديد من دون التوافق على قانون إنتخابي جديد، فإنّ الوقائع الميدانية لا تدعو إلى هذا القدر من التفاؤل! فهل تعهّدات "منع التمديد" هي مُجرّد آمال لدغدغة أحلام الكثير من اللبنانيّين الطامحين إلى قانون إنتخابي جديد، وهل يُمكن أن يتحوّل التمديد الثالث للمجلس النيابي الحالي إلى واقع لا مفرّ منه أو على الأقل لا يمكن عرقلته؟.

لا شك أنّ نيّة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون صافية بالنسبة إلى مسألة رفض التمديد من دون التوافق مُسبقًا على قانون إنتخابي جديد، لكنّ الأوراق التي لا تزال بيده لوقف هذا الأمر باتت معدودة، بعد إستخدامه للورقة الأهمّ المُتمثّلة في المادة 59 من الدستور اللبناني، والقاضية بوقف إجتماعات المجلس النيابي لشهر واحد كحدّ أقصى، علمًا أنّه لا يحقّ له أن يُكرّر الخطوة نفسها مرّة ثانية خلال عقد تشريعي واحد. وأهم هذه الأوراق الدستوريّة:

أوّلاً: عملاً بالفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور، يستطيع رئيس الجمهوريّة عندما تقتضي الضرورة توجيه رسائل إلى مجلس النواب الذي يتوجب عندها أن يجتمع لمناقشة مضمون الرسالة وإتخاذ الموقف المناسب. وبالتالي، بإمكان رئيس الجمهورية توجيه رسالة إلى مجلس النوّاب يطلب فيها رفض قانون التمديد، الأمر الذي سيُحوّل المُواجهة إلى فقهيّة ودستورية وسياسيّة بين النوّاب المُؤيّدين للتمديد وأولئك المُعارضين له. لكنّ فرص نجاح هذا الخيار ضعيفة بسبب وجود مجموعة كبيرة من الكتل والنواب المُؤيّدين للتمديد.

ثانيًا: بإمكان رئيس الجمهوريّة الطلب إلى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل إنتهاء عهد النيابة. لكن هذه السُلطة الممنوحة له وفق المادة 55 من الدستور مُجتزأة، حيث أنها تربط هذا القرار بحالات مُحدّدة منصوص عليها في المادتين 65 (لجهة الإمتناع عن الإجتماع من دون أسباب قاهرة...) و77 (لجهة الإصرار على تعديل الدستور...)، وكذلك بموافقة مجلس الوزراء على طلب الحلّ. أكثر من ذلك، في حال عدم إجراء إنتخابات جديدة ضمن المهلة المنصوص عليها في المادة 25 من الدستور، يُعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن، ويستمر مجلس النواب في مُمارسة سُلطاته وفقًا لأحكام الدستور! وبالتالي، لا وجود لفرص كبيرة لنجاح هذا الخيار.

ثالثًا: في حال قام المجلس النيابي بالتمديد لنفسه للمرّة الثالثة، وهو أمر سهل يتطلّب النصف زائد واحد من عدد النوّاب لإكتمال الجلسة من الناحية القانونيّة، وتصويت أغلبيّة المُشاركين في الجلسة لصالح التمديد، يستطيع رئيس الجمهوريّة رد القانون إلى المجلس النيابي لمُناقشة ثانية تستوجب هذه المرّة الحُصول على أغلبيّة من 65 نائبًا مؤيّدة للتمديد لإقراره. وهذا الأمر مُمكن تأمينه في ظلّ تعدّد الكتل النيابية المُؤيّدة للتمديد بحجّة الضرورة ومنع الفراغ. والمُفارقة أنّ قانون التمديد الثالث الذي أعدّه النائب نقولا فتوش جاء تحت عنوان صفة المُعجّل، وذلك لتضييق مهلة التأخير التي يستفيد منها رئيس الجمهورية بحسب المادة 56 من الدستور، حيث أنّ الصفة المُعجّلة لأي قانون تُلزمه بإصدارها خلال خمسة أيّام فقط من تاريخ تسلّمها.

رابعًا: بإمكان رئيس الجمهوريّة رفض التوقيع على قانون التمديد، لكن هذا الأمر سيفتح الباب واسعًا أمام الجدل الدستوري من دون براهين ثابتة لصالحه، حيث أنّ المادة 57 واضحة بالنسبة إلى القوانين المُحالة من المجلس النيابي لجهة التأكيد أنّه "في حال إنقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته، يُعتبر القانون نافذًا حُكمًا ووجب نشره".

خامسًا: بإمكان رئيس الجمهوريّة الطعن بقانونيّة قانون التمديد أمام المجلس الدستوري، بحسب المادة 19 من الدستور التي تخوّله هذا الأمر وذلك في كل قانون يجده مُخالفًا للدستور. وعندها يُصبح مصير التمديد الثالث بيد المجلس الدستوري، فإمّا يرفض الطعن ويتأكّد عندها تطبيق قانون التمديد، وإمّا يقبل الطعن ويتمّ إبطال التمديد ليُصبح أعضاء المجلس النيابي نوابًا سابقين إعتبارًا من 20 حزيران المقبل. وهنا سيُفتح الباب مُجدّدًا أمام الجدل الدستوري والفقهي بين من يعتبر أنّ المجلس يفقد كل سُلطاته، ومن يعتبر أنّه يجب أن يبقى بصفة تسيير أعمال لأنّه من دون المجلس لا مجال لإقرار مُطلق أي قانون جديد للإنتخابات أصلاً!.

سادسًا: وإضافة إلى كل ما سبق، يُمكن أن يُوعز رئيس الجمهوريّة إلى مُناصريه للتحرّك على الأرض-بالتنسيق والتعاون مع القوى الحليفة وتلك الرافضة للتمديد، وذلك لمنع وصول النواب إلى مجلس النواب للتمديد لأنفسهم. لكن لهذا الخيار مخاطر كبيرة على الإستقرار الداخلي والسلم الأهلي، علمًا أنّ مؤيّدي التمديد وداعميه سيتخذون إجراءات مُقابلة، تبدأ بتأمين وصول النواب إلى محيط المجلس مُسبقًا، وتمرّ بضمان القوى الأمنيّة منع المُتظاهرين من الإقتراب من المجلس، ويُمكن أن تصل إلى حدّ تحريك مجموعات مؤيّدة لهم للإصطدام بالمُتظاهرين الرافضين للتمديد!

في الختام، لا شكّ أنّ الأيّام تمرّ بسرعة نحو موعد الجلسة المقبلة لمجلس النواب في 15 أيّار المقبل، وما لم يتمّ التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، أو أقلّه إلى خطوط عريضة له، خلال المُهلة الزمنية القصيرة المُتبقّية، فإنّ الخيارات كلّها المطروحة لسيناريو التمديد ولسيناريوهات عرقلته لا تُبشّر بالخير!.