تحت شعار: "بابا السلام في مصر السلام" يزور ​البابا فرنسيس​ القاهرة ليومين في 28 و29 نيسان الحالي، على الرغم من التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا كنيستين في طنطا والاسكندرية في أحد الشعانين هذه السنة، وحصدا عشرات القتلى والجرحى من الاقباط والمسلمين على حد سواء. وبحسب دوائر الفاتيكان، تأتي الزيارة لتغلب منطق الحوار والسلام على منطق التكفير ونبذ الآخر الذي يُروّج له المُتشدّدون.

زيارة البابا هي الثانية من نوعها الى مصر، بعد زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في العام 2000 من ضمن سلسلة زيارات إلى مهد المسيحية في الشرق الأوسط بمناسبة حلول الألفية الثالثة. وتأتي زيارة البابا فرنسيس أيضاً تلبية لدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثم بطريرك الاقباط تواضروس الثاني اللذين زارا حاضرة الفاتيكان في العام 2014. ويرى عميد مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال "ليوناردو ساندري" أن زيارة البابا فرنسيس الى مصر هي تجسيد "للحوار المسكوني (بين الكنائس) وللحوار مع الإسلام". ويتضمن برنامج الزيارة لقاء بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والرئيس السيسي ولقاء مع شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيّب. كذلك يلتقي فرنسيس بابا الأقباط تواضروس الثاني فضلاً عن مشاركته في صلاة عن أرواح الضحايا الذين سقطوا في العمليات الارهابية بمشاركة رؤساء الطوائف المسيحية في مصر. وفي اليوم الثاني والأخير من الزيارة يرأس البابا فرنسيس قداسا احتفاليا يعقبه لقاء مع أبناء الطوائف الكاثوليكية. نجح البابا فرنسيس منذ انتخابه في العام 2013 في اعادة الحوار الذي جُمّد مع الأزهر نتيجة تصريحات مثيرة للجدل أطلقها البابا السابق بنديكتوس السادس عشر. العلاقات بين الأزهر والفاتيكان توتّرت في العام 2006 بعد محاضرة ألقاها البابا السابق في جامعة "راتيسبون" في ألمانيا، عندما استشهد في خطابه بحوار تاريخي يربط بين الاسلام والعنف، وهو ما أدى الى ارتفاع موجة غضب عمّت العالم الاسلامي، ولم تهدأ إلى أن زار بنديكتوس مسجد السلطان أحمد في اسطنبول وسجد في اتجاه القبلة، في خطوة رمزية اعتبرت تصالحية. تحسّنت العلاقات تدريجا مع انتخاب البابا فرنسيس في العام 2013 ومشاركة محمود العزب موفداً من الأزهر في مبادرة بين الطوائف أطلقها الفاتيكان لمكافحة شتى انواع العبودية في آذار 2014. كذلك ساهمت زيارة شيخ الأزهر أحمد الطيب للبابا فرنسيس في أيار من العام الفائت في عودة العلاقات الكاملة بين المرجعيتين. وتتميز الزيارة بمشاركة البابا فرنسيس في المؤتمر العالمي للسلام، الذي ينظّمه الأزهر، ويُلقي كلمة في المناسبة.

وتكتسي زيارة البابا الى مصر في هذه الأيام، أهمية خاصة بالنسبة للمسيحيين، الذين يشعرون بالاستهداف من قبل الارهاب، علماً ان مصر تضم أكبر جماعة مسيحية في الشرق، وجذور الكنيسة المصرية تعود الى القرن الأول. وبحسب التقليد المسيحي، لجأت عائلة السيد المسيح عندما كان طفلا الى مصر، هربا من بطش الحاكم الروماني هيرودوس الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم للتخلّص من المسيح الطفل، خشية أن يُهدد مُلكه عندما يكبر. وزير الآثار المصري خالد العناني، أصدر قراراً بتشكيل لجنة لدراسة وتوثيق مسار عائلة الناصرة في مصر لوضع برنامج عملي من 25 مركز زيارة، تمهيدا لوضعه على خارطة السياحة العالمية وكلّف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بمتابعة الملف. وبحسب التقاليد المتوارثة في الكنيسة القبطية، أتت عائلة الناصري من فلسطين إلى مصر عبر طريق العريش ووصلت إلى بابليون أو ما يعرف اليوم بمصر القديمة ثم انتقلت الى الصعيد وأختبأت هناك فترة ثم عادت الى الشمال مرورا بوادي النطرون واجتازت الدلتا مرورا بسخا ثم واصلت طريق العودة عبر سيناء إلى فلسطين من حيث أتت. وحيث وطأت أقدام مريم وطفلها تمّ تشييد كنيسة أو دير لا يزال بعضها قائما كليّا أو جزئياً، الى اليوم ومنها كنيسة السيدة العذراء في المعادي وكنيسة "أبي سرجة" الأثرية وفيها بئر ماء ودير المحرق في محافظة أسيوط حيث مكثت عائلة الناصرة نحو 6 أشهر. وتُعد المغارة التي سكنتها عائلة المسيح، أول كنيسة في مصر، وهناك مغارة ثانية سكنتها العائلة في جبل درنكة أو جبل أسيوط.