يبدو أن ​الولايات المتحدة​ الأميركية باتت جاهزة اليوم للكشف بصورة علنيّة عما تخطط له لمستقبل المنطقة، بالرغم من أن الإشارة لهذا التوجه تتم، في الوقت الراهن، من خلال الحديث عن الأزمة السورية بشكل خاص، لا سيما بعد الضربة الصاروخية التي إستهدفت قاعدة الشعيرات الجوية على خلفية ما حصل في خان شيخون، لكن ما الجديد في هذه الخطة عما يكن يطبق منذ سنوات على أرض الواقع؟.

من المؤكد أن الكشف عن التوجه الأميركي في وسائل الإعلام بالتزامن مع الجولة التي يقوم بها وزير الدفاع جايمس ماتيس على دول المنطقة ليس مجرد صدفة، فالمسؤول العسكري الأول في الولايات المتحدة يريد نقاش ما تم التحضير له مع تلك الدول، التي من المفترض أن تكون مشاركة في الشق التنفيذي من الخطة، الذي يقوم على العمل ضمن 4 مراحل: الأولى تنص بالقضاء على تنظيم "داعش" داخل الأراضي السورية، والثانية يجري العمل فيها لنشر الإستقرار من خلال السعي الى إتفاقات هدنة تعقد بين الحكومة والمعارضة، أما المرحلة الثالثة فمن المفترض أن تكون إنتقالية يتم دفع الرئيس السوري بشار الأسد فيها للتخلي عن السلطة، بينما في الرابعة يجري العمل على تنظيم الحياة العامة بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية.

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر مطلعة، عبر النشرة"، أن التوجه الأميركي في المنطقة لم يتغير منذ العام 2003، أي منذ قرار غزو ​العراق​ لإسقاط الرئيس الراحل صدام حسين والسيطرة على البلاد، لكن في الحالة السورية هناك الوجود الروسي الذي لا ترغب واشنطن بالصدام معه، بل تسعى إلى إحتوائه عبر تقديم ما يمكن وصفه بـ"الرشوة"، وتشير إلى أن هذا الأمر ظهر من خلال دعوة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، موسكو إلى الإلتحاق بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وصون مصالحها في سوريا.

وتلفت هذه المصادر إلى أن الإدارة الأميركية لا تقدم أي جديد على مستوى الأهداف في هذه الخطة، فواشنطن منذ البداية تسعى لتقسيم دول المنطقة الى مناطق نفوذ مذهبية أو عرقية على أنقاض تنظيم "داعش"، على أن يتم تسليمها إلى سلطات محلية تتحول فيما بعد إلى جزء من دولة فيدرالية لا تلبث أن تطالب أقاليمها بالإنفصال في مرحلة لاحقة، وتضيف: "هذا ما يحصل اليوم مع إقليم كردستان في العراق الذي يريد طرح إستفتاء للإستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد".

من وجهة نظر هذه المصادر، الفارق الوحيد بين الإدارة الحالية بقيادة دونالد ترامب والسابقة بقيادة باراك أوباما هو أن الأولى لا تفضل سياسة العمل في الخفاء بل هي على إستعداد لإرسال جنودها والتدخل عسكرياً بصورة مباشرة لتحقيق الأهداف، وهي تسعى للتعاون مع بعض الدول الإقليمية التي تتشارك معها في الغاية نفسها، وتوضح أنه في الحالة السوريّة يجري العمل على بناء مناطق نفوذ ستكون الورقة الأميركية الأقوى في المرحلة الثانية من الخطة، وهي التي يتم التعبير عنها بإسم "المناطق الآمنة"، التي كان يسعى أوباما إلى تأجيل العمل بها ولكن ترامب يبدي الإستعداد لها، وتشمل: المنطقة الأولى، شمال الموصل من سنجار مروراً بالحسكة حتى تل أبيض (منطقة نفوذ كردية)، المنطقة الثانية، غرب الفرات من الرقة حتى البوكمال والتنف وصولاً للأنبار غرباً، وجزء من محافظة نينوى شمالاً وتشمل البادية السورية (منطقة نفوذ عربية)، المنطقة الثالثة، من شرق الفرات مروراً بالريف الحلبي حتى الريف الادلبي على طول خط الحدود مع تركيا، بعد شمول الاتفاق الروسي الأميركي جبهة "النصرة" (منطقة نفوذ لفصائل المعارضة القريبة من الحكومة التركية)، المنطقة الرابعة، الجنوب السوري من حوض اليرموك حتى الجولان السوري المحتل (منطقة نفوذ يتداخل فيها الدور الإسرائيلي مع أدوار لبعض الدول العربية أبرزها الأردن).

في هذا السياق، توضح المصادر المطلعة أن الخطة الأميركية لا تتوقف عند محاولة "رشوة" موسكو بل تشمل أيضاً العمل على محاصرة النفوذ الإيراني على مستوى المنطقة، تحديداً في اليمن وسوريا والعراق، عبر إستغلال الخلافات القائمة بين طهران وأغلب الدول العربية، وتلفت إلى أن هذا التوجه كان حاضراً بقوة في خطابات ترامب الإنتخابيّة واستمر بعد تسلمه السلطة بشكل فعلي، وترى أن واشنطن تراهن على أن إضعاف الأسد يكون عبر إبعاد حلفائه عنه بالدرجة الأولى، لكن هذا الأمر لن ينجح مع موسكو التي من الضروري إحتواء نفوذها، في حين من المفترض توجيه رسائل قويّة إلى إيران من دون الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر معها.

بالنسبة إلى هذه المصادر، موسكو هي الحلقة الأقوى في الردّ على هذه الخطة، التي دخلت في الأصل الحرب السوريّة لإسقاطها، ولا يمكن لها القبول بدور ثانوي تحت المظلّة الأميركيّة بعد أن وضعت نفسها في إطار "الناظم العام"، وتشير إلى ردّ نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الأمن والدفاع فرانس كلينتسيفيتش على دعوة جونسون بأن على تحالف واشنطن الانضمام إلى بلاده وحلفائها لا العكس، وتضيف أن لا يمكن "ل​روسيا​ أن تتخلّى عن حلفائها في هذه المرحلة لأن هذا الأمر يعني العودة سنوات إلى الوراء".

في المحصلة، تؤكد الخطة الأميركية بأن واشنطن لا تزال تنظر إلى النظام العالمي على أساس أنه في مرحلة الأحادية القطبية، من دون التسليم بأن هناك أقطاب دوليين وإقليميين جدد ينبغي التعامل معهم بحذر، فهي لا تزال ترى أن النقاش ينبغي حول قيادتها العالم أو الهيمنة عليه فقط لا غير.