– في خطوة رآها البعض خارج سياق الهموم والاهتمامات اللبنانية المنغمسة في البحث عن بدل عن ضائع لقانون الانتخابات، تفادياً للأسوأ، واستنفر بوجهها بعض إعلام وبعض سياسة ليقع في الفخ الذي نصبته الخطوة لكشف مستور السياسة اللبنانية عن خلفيّات المشغّل والمموّل، ووضع الصديق والحليف أمام مرآة عنوانها أعرف حليفك، فتعرف عدوك، وبعناية وذكاء وبساطة خاض حزب الله ببوصلته الجنوبية غمار السياسات اللبنانية عابراً محدّداً وجهته الأساس، ما وراء الحدود. فهناك القضية وهناك أمن لبنان والمنطقة، وهناك العدو، وإلى هناك فقط توجَّه الرسائل الحقيقية، ومن هناك تأتي الرسائل الحقيقية ولو سمعت بأصوات لبنانية، تبقى هي الأصل والباقي مجرد صدى.

– أخذ حزب الله اللبنانيين عنوة عن طائفياتهم وعصبياتهم، ويوميّاتهم المليئة بالتفاصيل المحبطة والأخبار الكئيبة والعجز المقيم، ليظهر لهم ما يُعِدّ لهم عدو لا يقبع بعيداً عنهم، أو لا يقيمون بعيداً عن منظار تصويبه، بينما يصوّبون مناظيرهم وأسلحتهم الخفية لبعضهم بعضاً، تنافساً وتسابقاً على فتات غنائم لا يبقى منها شيء متى دقت ساعة حرب يقرّرها هذا العدو، وتقف قبالتها مقاومة أعدّت واستعدّت، لكل احتمال وقتال من دون حاجة لمن يحاضر فيها بعفة الحرص على جيش قاتلوه ودمّروا مهابته ذات يوم، ويحميه اليوم المقاومون ويحتمون به، ويتبادلون معه رغيف الخبز وقطرات العرق والدم في لحظات المنون، فقال حزب الله في لحظة لبنانية صعبة، لكلّ اللبنانيين، لا تدعوا التفاصيل المريضة تقتل غدكم، وتُنسيكم معادلات كبيرة تحيط بكم. أنتم أيها اللبنانيون أمام عدو لا ينام ويبيّت لكم كلكم كلّ شرّ وسوء فتفاهموا وتعاونوا وأعدّوا واستعدّوا، واستعينوا على خلافاتكم بالحوار والتنازلات والصوت المنخفض، فالعدو يسمعكم وينصت لدقات قلوبكم.

– قال حزب الله وسمعه اللبنانيون، ومنهم من أعدّ واستعدّ للنيل من النداء الأخير قبل أن يستمع لمضمون ما فيه، نداء ما قبل هبوب العواصف والضياع في المتاهات، فقرّر هؤلاء المستعجلون لسداد الفواتير كشف همومهم واهتماماتهم، مرة لأنّ الطبع يغلب التطبّع، ومرة حرصاً على الأولويات وهي عندهم تعميق التوتر الطائفي الذي استثمروا عليه كثيراً وكادوا يحسّون بقرب القطاف، فجاء من يُعيد الأمور إلى نصابها ويعيدهم إلى مربعات الذاكرة القديمة، وكما ظهرت النيات ذات زلة لسان مستعجل، أو سداد دين لا يقبل التأجيل، ظهرت النفوس الطيبة والقلوب الصادقة والعيون المشتاقة، تحتفل بشعور لحظة عزّ كانت قبل أعوام ويراد لنا أن ننساها، ولن ينسينا معناها كثر تشدّق البعض بالقرار 1701 الذي قال فيه رئيس الجمهورية ما يكفي، «إسرائيل» مَن يخرقه كلّ يوم بانتهاك أجوائنا، فلا تصوّبوا عكس الاتجاه.

– قال حزب الله والأهمّ أنّ مَن سمعه هم «الإسرائيليون»، سمعوا أسماء ضباط مواقعهم على الهواء، الرائد إلياهو غاباي أنت المسؤول عن وحدة هندسية لإقامة السواتر وإزالة الأشجار، في منطقة صلحا المحتلة، ولو صار اسمها افيميم. اللواء يوءال ستريك، أنت قائد الجبهة الشمالية التي تضمّ الفرقة 91 وتعمل فيها فرقة الجليل وفرقة الجولان، واللواء غربي 300 المتمركز مقابل مستعمرة نهاريا بكتائبه الثلاث زرعيت وأفيميم وليمان، وربما يكون «الإسرائيليون» يسمعون هذه التفاصيل عن جيشهم وقادته وتشكيلاته للمرة الأولى. وقال حزب الله أنتم تتنصّتون على نبض قلوبنا، ونحن نُحصي أنفاسكم وأسماءكم وما يدور في عقولكم، ويوم النزال لن تنفعكم السواتر ولا التضاريس الصناعية، ولا الصخور الشاهقة، فلكلّ داء دواء ولكلّ مقاوم رجاء، وكما يقول الشاعر الراحل عمر الفرا «سنخرج لكم يوم الحشر من بين أسنانكم».

– وصلت الرسائل، استفاق اللبنانيون، بعضهم استفاق لوطن يستحق أن يُدار بعقل يتناسب مع التحديات، وبعضهم استفاق كي لا يغرق بتفاصيل العصبيات، وبعضهم استفاق ليعرف مَن هو حليفه ومَن هو حليف حليفه، وبعضهم للأسف استفاق على ما كان، ونسي مَا يجب أن يكون، لكن العدو المتربّص لم ينم كي يستفيق، فاستفاق فيه مزيد من الذعر ليوم نزال آتٍ.