بالرغم من تعثره بالتفجير

الارهابي الذي طال المدنيين الخارجين من كفريا والفوعة، استمرت عملية التبادل أو

ما سمي اتفاق "البلدات الأربع"، وخرج مسلحو الزبداني ومضايا وبقين

وعائلاتهم الى ادلب، مقابل خروج أهالي كفريا والفوعةالى مناطق الحكومة السورية.

ينهي هذا الاتفاق مأساة

المدنيين في هذه البلدات، بعد حصار دام سنوات، سلّط خلالها الاعلام الغربي والعربي

الخليجي الأضواء خلاله على مأساة أهل مضايا والزبداني- بدون الاشارة الى مأساة أهل

كفريا والفوعة- لاتهام حزب الله والحكومة السورية بممارسة "حصار

تجويعي"، متغاضين في كل مرحلة عن المآسي في الجهة المقابلة، تمامًا كما حصل

خلال حادثة خان شيخون الكيميائية التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، بينما لم

يحظَ التفجير الارهابي بالأطفال والأبرياء من أهالي كفريا والفوعة بالتغطية

والادانات المماثلة.

ولكن، بالرغم من ارتياح

الجميع بانهاء مأساة المدنيين بأي ثمن، ولكن التغيير الديمغرافي الذي يحصل في

سوريا والمستمر منذ سنوات، ينبئ بمخاطر كبيرة على مستقبل هذا البلد ومستقبل المشرق

العربي. علمًا أن التركيز على التهجير الديمغرافي الناتج هذه الاتفاقيات بتبادل

السكان، ما هو الا تعمية على تغيير ديمغرافي أكبر كان قد حصل خلال سنوات الحرب

ويعود الى أسباب متنوعة منها التشجيع من قبل بعض المنظمات الدولية، والدول الداعمة

للمعارضة.

إن العاملين مع المنظمات

الدولية والدول المانحة، يدركون أن الهجرة الجماعية الأولى للسوريين لم تكن عفوية،

بل كانت بشكل منهجي ومدروس. والدراسات تشير الى أن هناك جزء مهم من السوريين غادروا

بلادهم هربًا من الحرب والدمار والقتل، لكن الجزء الأكبر غادر بعدما تمّ تشجيعهم على

المغادرة.

في الأشهر الأولى التي تلت

"الثورة" في سوريا وقبل نشوب الحرب بشكل فعلي في سوريا، كان العديد من

الدول الاوروبية ومعهم تركيا قد استعدت لاستقبال مئات الالاف من اللاجئين

السوريين. بداية، أعرب الغرب عن رغبته في استقبال "الاقليات" الطائفية

الهاربة من جحيم المعارك، لكن الهجرة تأخرت وبقيت مراكز الايواء فارغة.

ثم في المرحلة الثانية،

وبعد نشوب الحرب بشكل جدّي، قامت بعض المنظمات الدولية والدول الداعمة للمعارضة

بتشجيع السوريين على الهجرة الى البلدان المجاورة، وخاصة لبنان، وذلك لأسباب مادية

وأمنية. ماديًا، كلما ازداد أعداد اللاجئين، كلما ازدادت موزانات تلك المنظمات.

يضاف الى العامل المادي، العامل الأمني في لبنان، حيث تمّ تشجيع السوريين من

الرجال المعارضين القادرين على القتال على اللجوء الى لبنان، لخلق توازن طائفي

وأمني مع حزب الله في الداخل، قد يحتاجه داعمي المجموعات المسلحة في سوريا، لإرباك

الساحة اللبنانية واستخدامها كجزء من المعارك الدائرة في سورياـ

بسقوط القصير، وبعدها قلعة

الحصن والقلمون، وبعدما تبين أن موازين القوى الداخلية لا تسمح بمغامرات أمنية في

لبنان، وبعد استبسال الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان بعد الهجمة الارهابية في

عرسال ووقوف اللبنانيين صفًا واحدًا ضد مشاريع الحاق الساحة اللبنانية بالساحة

السورية، انخفضت مستويات القلق الأمني، وبقيت موازنات المنظمات الدولية تتضخم

بتضخّم أعداد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة.

أما الهجرة الجماعية الى

اوروبا، فلم تحصل إلا بعدما أراد أردوغان أن يضغط على القادة الاوروبيين وحلفائه

في حلف الناتو لتنفيذ أجندة خاصة به، فحصل التدفق الى اوروبا، علمًا أن الغالبية

العظمى من هؤلاء من المعارضين الذكور، ومن فئة طائفية معينة.

ولعل الانخراط العسكري

الأميركي في ظل إدارة ترامب، يشير الى رغبة حقيقية لدى الاميركيين بتقسيم سوريا،

والاحتفاظ بنفوذ أميركي مباشر في المناطق الواقعة في الشرق والشمال الشرقي السوري،

بالاضافة الى حزام أمني يحمي اسرائيل، لذا فإن الفرز السكاني، ومحاولة تغيير

البنية السكانية لتلك المناطق، وإسكان المعارضين للأسد في تلك المناطق لتكون بيئة

حاضنة للوجود الاميركي فيها، قد يكون من الأسباب المشجعة للتغيير الديمغرافي

أيضًا.

إذًا، بالفعل هناك قلق من

تغيير ديمغرافي في سوريا، وقلق أكبر من الفرز السكاني الذي قد يؤدي الى تقسيم فعلي

للأراضي السورية، وقد يكون النظام السوري استفاد من هجرة المعارضين الجماعية الى

اوروبا والى البلدان المجاورة، خاصة وأن معظم هؤلاء قد لا يستطيع التصويت في أي

انتخابات قادمة، ولكن المسؤولية ملقاة على عاتق جميع المنخرطين في تلك الحرب وليست

مسؤولية طرف وحده كما يحاول اعلام المعارضة الاشارة اليه.