إستحوذت الجولة الإعلاميّة التي نظّمها "حزب الله" أخيرًا على الحدود الجنوبيّة على الكثير من الأخذ والردّ بين مُؤيّد وداعم من جهة، ورافض ومُنتقد من جهة أخرى، فهل من معركة قريبة بين مُقاتلي "الحزب" والقوّات الإسرائيليّة؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الهدف من جولة "حزب الله" الإعلاميّة في الجنوب، ليس إرسال رسائل إلى الإسرائيليّين عن جُهوزيّة "الحزب" لمُواجهتهم كما تردّد، لإن إسرائيل تُتابع بدقّة تطوّر القُدرات العسكرية للقوى المُناهضة لها كافة، وتُحاول عبر طائراتها وأقمارها الصناعيّة ومُخبريها رصد أيّ أنشطة ضدّها، وهي تُقرّ دَوريًا أصلاً، إن عبر وسائل إعلامها أوعبر مُحلّليها العسكريّين، بتطوّر القُدرات العسكرية لمُقاتلي "حزب الله" وبالخطر الذي صار "الحزب" يُشكّله لها. وبالتالي إنّ الرسائل التي رغب "الحزب" بإرسالها هي للداخل اللبناني وليس للخارج، منها معنوي لجهة طمأنة من يعنيهم الأمر أن لا معركة قريبة مع إسرائيل التي تُواصل إتخاذ إجراءات دفاعيّة وليس هُجوميّة على الحدود مع لبنان، الأمر الذي يُشكّل إستخفافًا بالتهويل الإعلامي الإسرائيلي ضُدّ لبنان، والذي كانت وتيرته قد إرتفعت بشكل ملحوظ في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية. ومن بين الرسائل التي بعثها "الحزب" عن طريق الجولة الإعلاميّة–الحدوديّة، رسائل سياسيّة للسُلطة الرسميّة في لبنان أنّ "الحزب" ثابت في سياسته ومواقفه، بمعزل عن كل الضُغوط الخارجية المُتصاعدة ضُد لبنان، لجهة إستعداده لمواجهة المزيد من الحصار المالي المُتوقع فرضه قريبًا على مصادر تمويل "حزب الله"، والإستعداد لمواجهة المزيد من الضغوط على الإقتصاد اللبناني بأجنحته المتعدّدة بدءًا بالمصارف وُصولاً إلى بعض رجال الأعمال.

وبالتالي، لم يكن من المُستغرب مُسارعة رئيس الحُكومة اللبنانيّة ​سعد الحريري​ إلى القيام بجولة في الجنوب، كان مقرّ قوات ​اليونيفيل​ في الناقورة أحد ابرز محطاتها، للقول إنّ السُلطة السياسيّة في لبنان مُلتزمة بقرارات الشرعيّة الدَوليّة وبالقرار 1701، مُطلقًا إنتقادات لجولة "الحزب" الإعلاميّة. وقد حرص الحريري على إصطحاب كل من وزير الدفاع يعقوب الصرّاف، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، في جولته الجنوبيّة التي صُنّفت في خانة الردّ الميداني على جولة "حزب الله" الإعلاميّة، وذلك لما يُمثلانه من موقع رسمي للسُلطة ومن خلفيّة سياسيّة أيضًا ضُمن تركيبة الحُكم في لبنان.

والأكيد أنّ الإنقسام اللبناني بشأن سلاح "حزب الله" ودوره ليس بالأمر الجديد، ولا تغيير مُرتقب إزاءه، حيث باتت العلاقات اللبنانيّة بين "الحزب" ومؤيّديه من جهة، وخُصومهم من جهة أخرى، أقرب إلى التعايش الإلزاميّ تحت سقف واضح، مع إحتفاظ كل طرف بمواقفه وبهامش حركته. والأكيد أيضًا أنّ لا معركة في المُستقبل القريب أو المُتوسّط بين القوات الإسرائيلية ومُقاتلي "حزب الله"، حيث أنّ الهدوء القائم في الجنوب منذ العام 2006 مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة، لكن في ظلّ إستمرار تحضير الطرفين للمعركة المُقبلة التي لم يحن موعدها بعد. وبالتالي، إنّ كل التصاريح والتهديدات والإستعراضات العسكريّة المُتبادلة تصبّ في خانة الحرب الإعلاميّة المفتوحة بين الطرفين، علمًا أنّ الحرب الفعليّة الحالية بينهما تدور على مُستويات أخرى مُختلفة، تتمثّل في مُحاولة "الحزب" بناء شبكة قتالية مُتكاملة القدرات العسكرية على طول الحدود اللبنانيّة والسورية مع إسرائيل، وتتمثّل في مُحاولة إسرائيل تقليب أكبر عدد مُمكن من الدول الإقليميّة والعالمية على "حزب الله"، لمُواجهته إستخباريًا ولحصاره إقتصاديًا وماليًا، وكذلك للتضييق على الشخصيات المُقرّبة منه والمحسوبة عليه، بالتزامن مع ضرب شحنات صواريخه البعيدة المدى كلّما سنحت الفرصة لذلك.

إلى ذلك، لا بُد من الإشارة إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ "حزب الله" هدف أيضًا من جولته الإعلامية في الجنوب الردّ على الإتهامات الكثيرة بحقّه، بأنّه فقد بُوصلة معركته، فإنّ كل المُعلومات المُرتبطة بجبهة جرود القلمون السورية و​جرود عرسال​ اللبنانيّة تُشير إلى أنّ معركة عسكريّة قويّة تتحضّر هناك، في حال فشلت المُحاولات القائمة حاليًا في تأمين إنسحاب المُسلّحين المعارضين للنظام السوري المُختبئين في المنطقة. وفي المعلومات أنّه تُوجد حاليًا مصلحة مُشتركة بين كل من سوريا ولبنان الرسمي و"حزب الله"، بإنهاء ظاهرة المُسلحين المُتواجدين في المنطقة الجرديّة بين البلدين. فالجانب السوري الذي يُواصل عقد إتفاقات الإخلاء مع التنظيمات المُسلّحة يرغب بإستكمال تنظيف المناطق التي يُسيطر عليها وجعلها مُترابطة وخالية من أي بُقع جغرافية مُناهضة له، وذلك لاستكمال فرزه الديمغرافي لسوريا. والجانب اللبناني يرغب من جهته، بتأمين المنطقة الحُدوديّة الحسّاسة في جرود عرسال، والتخلّص من العبء الذي يُمثّله إختباء بعض الجماعات الإرهابيّة في المنطقة، وتسلّلهم نحو مخيّمات للاجئين السوريّين في الداخل اللبناني وتهديدهم الدائم لبعض القرى والبلدات الحُدوديّة الآمنة. أمّا "حزب الله" الذي نجح مع الجيش السوري في تأمين خط عسكري مُترابط بين البلدين، لمنع مُعارضي النظام السوري من التسلّل من لبنان نحو العمق السوري، وكذلك لمنع هؤلاء من التسلّل إلى الداخل اللبناني وإستهداف بيئته الحاضنة بالدرجة الأولى، يعتبر أنّ الوقت حان لإنهاء هذه الظاهرة الحدوديّة، بعد إتمام السيطرة على كل من الزبداني ومضايا وسرغايا وبلودان.

ويُمكن القول في الختام إنّه إذا كان صحيحًا أنّ إستعراض "الحزب" كان في الجنوب، فالأصحّ أنّ المَعركة القريبة المُقبلة ستكون في الجُرود الوعرة بين منطقتي عرسال والقلمون، ما لم يُوافق المُسلّحون هناك على تسوية تؤمّن إنسحابهم إلى إدلب والرقّة على الأرجح، كما حصل في العديد من المناطق السوريّة خلال السنتين الماضيتين.