بعد فبركة مسرحية خان شيخون و ما تبعها من عدوان أميركي على مطار الشعيرات في ريف حمص الشرقي ، و بعد ردأت الفعل الحازمة التي ابداها حلفاء سورية ببيانهم ، و اكدها اللقاء الوزاري الثلاثي في موسكو و الذي جمع وزراء خارجية كل من روسيا و ايران و سوريا ، و بعد التهرب الغربي من الحاح سورية و حلفائها على اجراء تحقيق نزيه في جريمة خان شيخون ، بعد كل هذه التطورات أخرجت منظومة العدوان على سورية مشروعا جديدا لتطبيقه في الجنوب السوري ما اظهر ان ما كان يجري في الشمال كان من اجل عرض العضلات و اظهار القوة الأميركية للترهيب ولحرف الانتباه لتمرير مشروع الجنوب فما هو هذا المشروع و ما هي حظوظه من النجاح ؟

نذكر بان ترامب كان يتمسك في فتره الانتخابات وفي الأسابيع التي تلت استلامه مقاليد الحكم في البيت الأبيض الأميركي، كان يتمسك فيما خص الازمة السورية بثلاثية: وجوب محاربة الإرهاب جديا، وانشاء مناطق امنة في سورية لإيواء اللاجئين وأخيرا أعدم اقحام انفه في شان من يتولى الحكم السوري. ويومها كنا توقفنا عند العنصر الثاني من رؤية ترامب ووصفناها بانه تخفي في ثناياها مشروع تقسيم مقنع تريد اميركا ان تفرضه على سورية تحت عنوان انساني يتصل باللاجئين السوريين. ونذكر أيضا بان اميركا طرحت انشاء 4 مناطق امنة تسند امرها وفقا للخطة لدول الجوار وارادت ان ترشي روسيا لتطمئنها بأسناد امر منطقة الساحل لها للاحتفاظ بقواعدها العسكرية فيها.

لكن اميركا اصطدمت بالموقف السوري الحاسم والرافض للفكرة المخادعة وكان الرئيس الأسد قاطعا في هذا وجاراه فيه كل مكونات محور المقاومة بما في ذلك روسيا التي اقرنت موافقتها على أي مشروع في سورية بموافقة دمشق وهكذا تراجع الحديث عن المناطق الامنة بعد ان افتضح امرها وأظهرت حقيقتها بانها مشروع تقسيم سوريا ليكون نواة الفيدرالية الواهنة التي تقضي على فكرة سورية القوية الموحدة.

و يبدو ان اميركا المعنية في العمق بأمن إسرائيل و مستقبل احتلالها للجولان ، ارادت ان تعوض على فشل مشروع المناطق الامنة الفضفاض ، بتجزئة التنفيذ و إقامة حزام امني في الجنوب يكون بمثابة المنطقة العازلة عن الدولة السورية العميقة و مركزية القرار في دمشق ، على ان تقوم الأردن ظاهرا وإسرائيل باطنا بإدارته ، و من اجل ذلك جمعت اميركا ثلة من عملائها الذين تسميهم معارضة او معارضة معتدلة و صاغت لهم دستورا للإقليم الانفصالي الجنوبي لتقيم لهم سلطة إدارية على محافظات السويداء و درعا و القنيطرة في مساحة يقيم فيها حوالي مليوني سوري .

ان خطة الجنوب الأميركية و التي جاءت "وثيقة حوران" كخطوة تنفيذية أولية لها ، تقتضي لنجاحها عملا ميدانيا يؤدي الى السيطرة على كامل المساحة المعينة في الوثيقة و لذلك جاء نص صريح في تلك الوثيقة يفرض " قتال جيش النظام لإخراجه منها" على حد تعبيرهم ، و هنا المفتاح الذي يخفي الخطة العسكرية لمعركة الجنوب التي لا يمكن للفصائل المسلحة ان تنفذ المهمة فيها بدون دعم خارجي وازن و فاعل و هنا تظهر أهمية التحضيرات التي أشار اليها الرئيس الأسد من قبل الأردن للمشاركة في القتال ضد الجيش العربي السوري ، و هنا تكمن اهداف العدوان الجوي الإسرائيلي ثم القصف المدفعي الإسرائيلي لمواقع الجيش و الدفاع الوطني السوري في الجولان انطلاقا من الجولان المحتل، قصف يراد منه القول بان إسرائيل باتت جاهزة للمساهمة في تنفيذ خطة اقتطاع الجنوب لاقامة الإقليم الانفصالي العازل.

ان المشهد السوري اليوم يظهر وأكثر من أي وقت مضى مدى التدخل الخارجي العدواني المباشر في الحرب على سورية، وإذا كانت المراحل السابقة تضمنت تدخلات مقنعة فان تدخل اميركا وإسرائيل وتركيا باتت جلية من غير قناع تمارس وبكل وقاحة وغطرسة. اما الأردن الذي كان منذ بدء الازمة – كما وصف الرئيس الأسد-عاملا من العوامل الرئيسية للعدوان على سورية، فانه يتحضر كما يبدو ليقود ظاهرا العدوان على الجنوب السوري عملا بالخطة الأميركية، يقوم بهذا دون ان يجد لمساهمته تلك أي مبرر ولذلك وجدنا وزيرة اعلامه تنفي ما ساقتها سورية ضدها من قرائن تثبت تورطها في العدوان الذي يحضر له، ولا تستند في نفيها الى دليل واو قرينة ميدانه صحيحة او مقنعة تبعد الاتهام.

اذن خطة فصل الجنوب السوري لاقامة الحزام الأمني الإسرائيلي باتت حقيقة ملموسة شرعت اميركا وإسرائيل بتنفيذها مستعملة الأردن كعكاز يتكئ عليه في الميدان حتى إذا فرغت من المهمة استلمت إسرائيل القيادة الميدانية وفرضت على الأردن التراجع للخلف او استمر دوره كأداة تحدد إسرائيل واميركا وظيفتها.

و في التفصيل نرى ان الدور الأردني كما بات يبدو من التسريبات الحاصلة حتى الان يقوم على انشاء قوة عسكرية مختلطة بقيادة اردنية قوامها جزء عسكري اردني يتشكل من قوات اردنية خاصة و معها وحدات مدرعة من الجيش الاردني مع اسناد جوي من الطيران الأردني و في الجزء الاخر ستكون فصائل مسلحة مما تسميه اميركا معارضة معتدلة و يكون قوام مجموع القوى 20 الف رجل منهم 8 الاف من الجيش الأردني و 12 الف من الفصائل المسلحة سيعملون جميعا بقيادة اردنية محلية و قيادة أميركية إسرائيلية خلف الستار و ستعلن مهمة القوى بانها تطهير المنطقة من داعش و النصرة و فرض الامن و الاستقرار في المحافظات السورية الجنوبية الثلاث . اما الدور الإسرائيلي في العملية فسيكون جويا وناريا عبر الحدود لتقديم الدعم للقوى وشل قواعد الاسناد الناري السوري في الميدان. وطبعا نذكر هنا بمناورات الأسد المتأهب التي جرت خلال السنوات الماضية على الأرض الأردنية بقيادة أميركية للتحضير لتنفيذ مثل هذه المهمة.

هذه هي الخطة كما يبدو فهل تنجح اميركا وإسرائيل في المسعى العدواني الجديد؟

قبل الإجابة نقول ان اهم ما في خطة الجنوب هو إقرار فعلي وضمني من راس العدوان على سورية بان عدوانه الأساسي فشل في تحقيق أهدافه لأصلية والتي هي اسقاط سورية المقاومة ووضع اليد عليها لصياغة سورية التابعة، وإقرار من قبلهم ان في دمشق اسد يقيم في عرين قومي ووطني لا يمكن لاحد ان يناله، وبالتالي لجأت اميركا وإسرائيل الى خطة تعويض بديلة تكون بمثابة جائزة الترضية بعد ان فاتتها الجائزة الرئيسية الكبرى.

اما في المواجهة فأننا نلفت الى ان محور المقاومة الذي خاض الحرب الدفاعية المكلفة خلال السنوات الست الماضية للمحافظة على سورية الموحدة كان يدرك ولا يزال ان الحرب كلها شنت على سورية من اجل إسرائيل ولمصلحة إسرائيل، وبالتالي فهو يدرك ان تحقيق إسرائيل أي مكسب في الحرب يعني نجاح العدوان على سورية وعلى هذا الأساس اتخذ المحور التدابير واعتمد استراتيجية مواجهة دفاعية تجهض مساعي العدوان من أي طبيعة كانت. ولأجل هذا كان قرار محور المقاومة بوحدة الجبهتين اللبنانية والسورية في مواجهة إسرائيل. ورفع مستوى الجهوزية الى المستوى الذي تقنضيه الظروف والتحديات.

ان الحرب الدفاعية عن سورية ستتركز في الأسابيع المقبلة في الجنوب دون ان تشغل الجيش العربي السوري و حلفاؤه ، عن الجبهات الأخرى التي ينهار فيها الإرهاب بشكل متلاحق ، لكن جبهة الجنوب ستتقدم عما سواها فان شاءت إسرائيل فتحها جديا فستجد في الميدان ما لم تكن تنتظر و لم تتوقع ، و ان انزلقت الأردن الى ميدانها فانه ستجد ما لا يسرها و لن يكون من دفعها الى المنزلق قادرا على حماية عرش مليكها و هو يعرف ما يوجد في الرماد الأردني الداخلي من جمر و ما ينتظره في الجنوب السوري من نار .فتحضيرات سورية و حلفاؤها في محور المقاومة و روسيا و اخرين كافية و بكل ثقة و اقتدار للمواجهة الدفاعية التي تجهض خطة اقتطاع الجنوب و لمنع إسرائيل من إقامة حزام امني مهما كانت التسميات .