فظيعٌ هذا البلد الذي اسمه لبنان: يبقى في مكانه فيما العالم يتغيَّر، لا يغيِّر شيئا فيما العالم يعيش على التغيير، في فرنسا هناك الجمهورية الاولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة، ولا يُعرف ما إذا كانت السادسة على الطريق، وفي لبنان ما زال الخلاف قائما ما إذا كنا ما زلنا في الجمهورية الاولى او اننا فعلا انتقلنا الى الجمهورية الثانية مع الطائف.

رئيس مجلس النواب نبيه بري هو اليوم في ولايته السادسة، انتُخب رئيسا للمجلس للمرة الاولى عام 1992، ومدد له في الاعوام 1996 و2000 و2004 و2009 و2013، والسابعة قد تكون على الطريق، هذا الواقع ليس انتقاصا من حنكة رئيس المجلس ومن درايته بالظروف اللبنانية، لكن هذا شيء والتغيير شيء آخر.

حين انتخب كان الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، وتعاقب على الرئاسة الفرنسية بعده الرؤساء جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، والرئيس الخامس الذي سيُعرف في السابع من ايار المقبل، سيكون الرئيس الخامس للجمهورية الخامسة، وفي ولاية الرئيس نبيه بري.

وفي المملكة العربية السعودية، ومنذ التسعينيات، تعاقب على قيادة المملكة المغفور لهم الملك فهد ثم الملك عبدالله واليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز اطال الله بعمره.

نحن بلد نحب المراوحة ونخشى التغيير ولو لم يكن الامر كذلك لما كنا بقينا على قانون الستين في الانتخابات النيابية وهو القانون الذي صار عمره أكثر من نصف قرن.

ومن يدري، فقد تكون العودة اليه في الانتخابات النيابية الآتية، هي اهون الشرور.

ها هي فرنسا تنتخب، مرشحو الدورة الاولى كانوا أحد عشر مرشحا، والمرشح الأوفر حظا للوصول الى قصر الاليزيه هو ايمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق، ومرشح حركة المضي قدما التي يريد لها ان تكون وسطية، وأنشأها قبل عام من الانتخابات الرئاسية. وماكرون يقول انه يساري الفكر ويميني التوجه الاقتصادي ووسطي الانتماء الى اوروبا. وهو يصف نفسه تارة، بانه مرشح العولمة، وتارة أخرى هو مع العولمة.

في هذه الجولة العاجلة في عقل الرجل، الاستنتاج الاول ان المعركة في فرنسا هي معركة افكار وليست معركة اشخاص:

يملك ماكرون سيفا ذا حدين: فصغر سنه قد يستعمله المخضرمون ضده، فيما يشجعه جيل الشباب، فهذا المرشح الشاب لم يكمل سن التاسعة والثلاثين ليكون بذلك اذا انتخب من اصغر الرؤساء الفرنسيين.

واللبناني الذي يتطلع الى هذا الانجاز في فرنسا يجد نفسه يراوح مكانه في لبنان، وأحدث معطى لهذا الامر ما اعلنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالفم الملآن ومن دون اية مواربة: ليس عيبا الإقرار بالفشل والسير بالانتخابات النيابية وفقا للقانون الساري المفعول حاليا مع ما يلزم من تمديد تقني للمجلس النيابي.

كيف سيقع هذا الكلام، الذي يقوله البطريرك للمرة الثانية في أقل من اسبوع، على الطبقة السياسية اللبنانية؟ هل يكون المسمار الاقسى في نعش محاولات التغيير؟