لم يصل اللبنانيون الى هذا الدرك السفيه من التعاطي السياسي منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، فبحجة تحسين تمثيل هذه الطائفة او تلك، لم يوفر احدهم او احدهما او بعضهما كل الالفاظ والوسائل والطرق للضغط على الاطراف الاخرى والتهويل عليها. وكأنه باستحضار ادوات وشعارات الحرب الاهلية يمكن الفوز بما نريد او نحشر من نريد في الحائط، ونحقق ما نصبو اليه بعبارة مستفزة او بتحريك شارع او بالمس بالميثاق. ولعل ليس اللبنانيون وحدهم ضحايا هذا العبث الجنوني او جنون العظمة، وعادة ما يقوم به من يشعرون انهم متفوقون على اترابهم او زملائهم او "اخوانهم" في الوطن. ويقال تاريخياً ان قصار القامة كنابليون بونابرت وادولف هتلر وغيرهما من القادة كانوا قصار القامة وقصار النظر ايضاً. احدهم يخرج من الغمام ليستحضر خطاب الحرب الاهلية، وكأنه يشعر بأنه ذاك الزعيم الذي لم يوفر عدواً او صديقاً حتى يسحق ابناء جلدته، وحتى انه ركب ظهر العدو والذي اتى به رئيساً لكنه تخلى عنه بعد ذلك فعاقبه بالموت.

وحتى لا تتكرر مشاهد الامس البعيد البغيضة او ان يكون نيسان الحالي مشؤوماً وان يكون الامس القريب سوداوياً ايضاً. حدد الميثاق الوطني منذ العام 1943 شكل توزيع السلطة والحصص الطائفية للنظام الطائفي السياسي الذي ما زال ساري المفعول في لبنان. فإذا ارتضينا ان السلطة في لبنان مقسمة بين الطوائف، فهذا يعني ان علينا الارتضاء بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في شكل السلطة. فهذه المناصفة هي جوهرية وليست عددية ومن يأخذ المسيحيين الى لعبة العددية هو من يريد لهم ان ينقسموا او يتشرذموا. لذلك ليس المسيحيون اليوم اكثرية عددية في لبنان لكنهم هم نصف هذا الشعب بقوة الميثاق، ولم يخرج احد من غير المسيحيين ليقول غير ذلك او انه قبل بسلطة لا يُمثل المسيحيون فيها النصف و"حبة مسك". كما لا يمكن لاحد القول ان الاقليات المسلمة كالعلويين والدروز حقوقهم ليست محفوظة مع حصة "النصف" الاسلامي الآخر السني والشيعي.

فكما لا يمكن لاي دورة وظيفية من اي فئة كانت في لبنان ان تمر بلا توازن طائفي او مذهبي، اكانوا حراس احراش او حراس بلدية او اي سلك امني او عسكري ولو برتبة خفير او مأمور او اطفائي مع التقدير لكل المناصب والمهن. وحتى سائق شاحنة في البلدية او المرفق العام او الحاجب وصولاً الى الفئات الادارية بكافة درجاتها. كذلك لا يمكن لاي قانون انتخابي ان يمر بلا توافق او ان يكون ذا نفس طائفي او تقسيمي او تحريضي او الغائي.

لهذه الاسباب لن ينجح اي طرح مفخخ انتخابي مهما كان اسم الذي "يجترحه"، ويعتقد ان الله وكل الصالحين والانبياء والاولياء والقديسين ومن "يمثلهم" على الارض يباركون قانونه. وان يعتقد بدوره انه يمثلهم في السياسة، وان يخرج بقانون لا يكون ذا صبغة وطنية بحتة ويكون بمعيار موحد يضمن المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وفي حقهم في التصويت، والترشح والاقتراع على اساس وطني لا على اساس طائفي او مذهبي او مناطقي.

لذلك لا يمكن وفق مطلعين بدقة على مجريات الحديث و"عِدّة الشغل الانتخابية" الا ان يؤكدوا للقاصي والداني ان الخيارات الانتخابية والاقتراحات التي طُرحت لن تمر، لانها ذات طابع طائفي وتحجيمي واقصائي والغائي وتقسيمي، وتُشكِلُ خطراً على العيش الوطني وتصادر حقوق الناخب الذي يطمح الى التغيير وليس الى "التعتير" او المصادرة.

في المقابل هناك طرح النسبية الكاملة والتي يؤكد طارحوها انها مرنة في التقسيمات ومهما كان شكلها متوسطة او موسعة، فإنها في الحد الادنى تضمن تمثيل 80 الى 90 في المئة من اللبنانيين وتعطي صوت المواطن الحزبي وغير الحزبي فرصة متساوية ليقرر من يمثله، ومن يريده ان يكون صوته في البرلمان كما يمنع الاحزاب من الهيمنة على المقاعد النيابية او تقرير مصير تمثيل طائفة باكملها.

ويعني ان سقوط اي اقتراح انتخابي غير وطني وميثاقي وغير تمثيلي، يتطلب السير بالنسبية الكاملة بالدوائر الموسعة والتي بات انصارها كثرًا لاقتناعهم انه لن يمر غيرها، ولانها تعطي كل الناس حقوقها ولا تغبن احدا، فالمهلة التي تقررت لجلسة التمديد في 15 ايار، فكما لها ان تقر التمديد ولو من دون قانون جديد منعاً للفراغ في مجلس النواب، يمكنها ان تُمدد وفق قانون جديد على اساس النسبية. ويمكن ايضاً ان لا تُمدد وان لا يقر قانون جديد وساعتها منعاً للفراغ ومنعاً للتمديد يمكن دعوة الهيئات الناخبة وفق قانون الستين والذي يحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية وقبل 60 يوما من انتهاء ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران. اي ان تُجرى الانتخابات في آب المقبل كما يتردد فأي خيار يختار العباقرة وقصيرو القامة والنظر: هل التمديد او الستين الذي يُعدم العهد؟ ام النسبية التي تضمن تمثيل الجميع؟ الاجابة ليست في حاجة الى مساعدة صديق...