في الفترة الأخيرة، ارتفع منسوب التهديدات المتبادلة بين المسؤولين الإسرائيليين وقيادة "حزب الله" إلى حدٍّ بعيد، طرحت معه الأسئلة عما إذا كان موعد المواجهة المقبلة بين الطرفين قد اقترب، لا سيما أن البعض يضع ما يحصل في سياق الحرب النفسية لا أكثر.

على هذا الصعيد، من المؤكد أن الجانبين عملا طوال السنوات السابقة، أي منذ نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، على رفع مستوى الجهوزية القتالية، بغض النظر عن التحولات التي شهدتها المنطقة المحيطة من أحداث، لا سيما في ظل الحرب السورية التي يشارك فيها الحزب، لكن ما هي سيناريوهات المحتملة لأي مواجهة مقبلة؟

"حزب الله" جيش

في هذا السياق، من المفيد الإشارة إلى أن الدراسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية باتت تتعامل مع "حزب الله" على أساس أنه "جيش"، من دون أن تتجاهل الخبرات التي راكمها نتيجة الحرب السورية، وهذا الأمر من المفترض أن يكون حاضراً عند الإعداد لأي مواجهة معه، لا سيما أن تل أبيب تضع دائماً في حساباتها قدرة الردع التي يمتلكها الفريق المقابل، سواء كانت المقاومة في لبنان أو في الداخل الاسرائلي، كما يتم الحديث أيضاً عن أن الحزب لا يزال يعتمد بشكل رئيسي على منظومات الصواريخ ومنظومات ضد الدروع، إلا أن أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله يتحدّث دائماً عن مفاجآت لن تكون متوقعة من جانب الجيش الإسرائيلي.

على هذا الصعيد، تبرز سيناريوهات تُطرح، منها ألا يكون جنوب لبنان هو الجبهة الوحيدة التي ستضطر تل أبيب إلى التعامل معها في الوقت نفسه، ومنها أن الحزب قد يتحول إلى طرف مهاجم في أي عدوان، من دون تجاهل إمكانية حصوله على أسلحة مضادة للطائرات.

من وجهة نظر الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد ​أمين حطيط​، ​اسرائيل​ هي دائماً من يعدّ للحرب أو من يبادر إليها، لكنها اليوم تذهب إلى الحرب النفسية لأنها لم تستجمع الشروط المطلوبة لشنّ عدوان مباشر، وتستكمل ذلك من خلال عملها على حصار "حزب الله" إقليمياً ودولياً، ويضيف: "مبادرة الحزب إلى الهجوم أمر مستبعد، ولا يمكن لأيّ مطلع على العقيدة القتالية الخاصة به ولا على المجريات الإقليميّة والواقع في لبنان أن يقول عكس ذلك"، لكنه في المقابل يشدد على أن "حزب الله" جاهز للتعامل مع أي وضع ينتج إذا ما أقدمت إسرائيل على أي عدوان ضد لبنان.

من جانبه، يوضح الخبير العسكري العميد المتقاعد ​شارل أبي نادر​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن سيناريو الحرب المرتقبة لم يعد محصوراً كما في السابق تحت عنوان "كيف ستهاجم اسرائيل لبنان"؟، في الجو فقط أم في البر والجو أم من خلال مناورة متكاملة براً وبحراً وجواً، وهل ستفذ عملية خاطفة في نقطة حساسة أم ستدخل الى حدود نهر الليطاني أم ستتجاوز النهر المذكور؟. وما شابه من تساؤلات تتمحور حول عدوان اسرائيل على لبنان؟!. ويلفت إلى أن السيناريو المطروح اليوم تخطّى ذلك بكثير وأصبح "حزب الله"، واسرائيل أيضاً، يعتبران أن الحرب المقبلة تحمل وبنسبة متعادلة إمكانية أن تكون هجوميّة على اسرائيل، مثلما قد تكون هجوميّة على لبنان.

سيناريوهات متعددة

بالنسبة إلى هذه الحرب المحتملة، يرى العميد حطيط أن هناك 3 سيناريوهات:

الأوّل هو الحرب الشاملة والصاعقة، وتشمل عملا ناريًّا مركزًا من جانب القوات البرية والبحرية والجوية ضد كل الأهداف المعدة مسبقاً، تقول تل أبيب أنها بلغت 4000، من ضمنها إستهداف الجيش اللبناني والبنى التحتية اللبنانية، وهي تعوّل عليها لضرب منظومة القيادة والسيطرة والقواعد النارية وفتح الطريق أمام الوحدات القتالية البرية، من خلال القيام بانزال جوي وبحري، في حين أن الحزب متحضر جيداً لمثل هذا السيناريو، ويرى أنه قد يؤدي إلى فتح جبهة الجولان أيضاً.

السيناريو الثاني، يشبه الأول ولكن بأهداف منخفضة. أما على المستوى الناري فهو ليس بالقوة نفسها وبريا يقتصر على التقدم من الجنوب على محور أو محورين من المحاور المعروفة، وهذا السيناريو يكون كالصدمة مع محاولة كسر معادلة الردع، وأيضاً الحزب يأخذ الإحتياطات اللازمة له.

السيناريو الثالث، يكون الأدنى وهو نوع من الرسائل التهديدية، ويعتمد على ضرب أهداف مختارة مع عمل بري محدود، ضمن سقف زمني قصير، لكنه يعتبر أنه سيكون فاشلا لأن الحزب لن يوقف الرد قبل إعادة التوازن.

أما بالنسبة إلى المحاور المتعارف عليها فهي: الخط الساحلي من الناقورة باتجاه صور، القطاع الأوسط من بنت جبيل باتجاه تبنين، القطاع الشرقي من مطلة نحو سهل مرجعيون.

من جانبه، يشرح العميد أبي نادر إلى أن السيناريو المرتقب يمكن أن يأخذ أحد الأوجه التالية أو أن يأخذ بعضاً منها مجتمعة وهي:

-عملية اسرائيلية واسعة في الجو والبر والبحر تدخل فيها وحدات اسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية على شكل اجتياح للسيطرة على منطقة واسعة تتجاوز الليطاني، والهدف هو القضاء على "حزب الله" وتدمير ترسانته الصاروخية وبنيته العسكرية.

-عملية اسرائيلية جوية فقط، يعمد من خلالها سلاح الجو الاسرائيلي وباشراك كافة طاقته النارية على تدمير بنك أهداف محضر ومدروس، مع تأمين حماية فعالة للداخل الاسرائيلي بمظلة واسعة من منظومات الصواريخ المضادة (القبّة الحديدية، منظومة حيتس، مقلاع داوود) للصواريخ البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدى.

بالمقابل، يلفت أبي نادر إلى أنه ينتظر اسرائيل أيضاً أكثر من سيناريو مرتقب لعملية هجومية يقوم بها الحزب داخل أراضي الجليل المحتل، من خلال اختراق واسع لعناصر النخبة والسيطرة على إحدى المستوطنات أو على أكثر من واحدة ومحاولة أخذ أكبر عدد ممكن من المستوطنين أسرى، ويترافق ذلك مع عملية قصف صاروخي واسعة على عمق الأراضي الاسرائيلية، وعلى أهداف استراتيجية منها مخازن غاز الأمونيا في حيفا ومفاعل ديمونا وغالبيّة المطارات والموانىء والمراكز المدنية الاستراتيجية.

ويضيف، "من الممكن أن يحدث وبشكل متزامن سيناريو مشترك لعملية اسرائيلية داخل لبنان، كالتي ذكرناها، يترافق مع عملية دخول لعناصر النخبة في "حزب الله" إلى اسرائيل".