لأول مرة في تاريخ لبنان الحديث تسود الضبابية السياسية. لم يسبق أن لعب اللبنانيون على حافة الوقت لإنتاج قانون إنتخابي. كانت اللعبة تجري على تلك الحافة حول انتخابات رئاسية، أو نيابية، ودائما حول تشكيل الحكومة، لكن الحاصل الآن هو خلاف حقيقي يدور بشأن الصيغة الإنتخابية، تتخطى مسألة التحالفات والمسار السياسي. لم يكن يتوقع اللبنانيون تبايناً بهذا الحجم يفرمل عمل الحكومة ويحبط الناس الذين تأملوا خيرا بعد تشكيل الحكومة الجامعة في ظل عهد جديد ينطلق في بداية مشواره.

ماذا يجري؟ لا أحد يستطيع الجزم بما يحصل. لكن المعلومات تفيد أن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل يحاول تسويق المشروع التأهيلي. فكرة تلك الصيغة كان قدمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لكن باسيل عدّل تفاصيلها، خصوصا لجهة من يحق له أن يتأهل، معتمدا إثنين لكل مقعد، في حين كان طرح بري يقوم على أساس تأهل من ينال 10 بالمئة من الاصوات، ما يعني ان الصيغة لم تعد مقرونة بإسم بري، بل اصبحت باسيلية. لم يوافق على طرح وزير الخارجية أي من القوى. حزب القوات اعترض على امور تقنية، و الحزب التقدمي الاشتراكي رفض علناً بالمطلق. حركة امل وحزب الله رفضا عملياً الصيغة الباسيلية. أما تيار المستقبل فإنتظر الرفض أن يأتي من عند القوى الأخرى.

لم يستسلم باسيل. بقي مصراً بعد تقديم دراسة تفيد أن حصة التيار ستكون كبيرة تخوله الحصول على كتلة لا يقل عددها عن 35 مقعدا من دون الحلفاء. ثم جرت محاولات لإقناع حزب الله، وتيار المستقبل. الحزب انسجم مع قناعاته بشأن النسبية، في حين أبدى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مرونة للقبول بالطرح الباسيلي بعد ضمان حصوله على مقاعد مسيحية. منذ أيام وصلت أصداء موافقة الحريري مبدئيا على صيغة باسيل، فأتت الرسائل الرافضة من النائب وليد جنبلاط، في حين أبلغ الوزير علي حسن خليل الحريري وباسيل رفض الطرح التأهيلي.

حصل ارباك في صفوف تيار المستقبل استلزم الصمت وعدم التطرق الى ​قانون الانتخابات​ في بيان الاجتماع الاسبوعي للكتلة. علما ان نوابا في الكتلة الزرقاء كانوا يتحدثون في الصالونات السياسية عن قرار التمديد المرتقب.

في عين التينة كان الكلام يتردد: لن نوافق على مشروع يستفز جنبلاط، ولا نريد التمديد ولا الستين ولا الفراغ. الخلاف مع التيار الوطني الحر يتوزع: النظرة الى القانون، ومقاربة جلسة 15 أيار، وهل يحصل فراغ ام لا...

المستغرب بالنسبة للثنائية الشيعية هو تخلي الفريق البرتقالي عن النسبية. اللافت ايضا ان رئيس الجمهورية ميشال عون لم يذكرها ابدا في كلمته أمس، رغم انه كان يستحضرها في كل خطاباته وكلماته منذ ايام ترؤسه لتكتل التغيير والإصلاح. لم تتغير النسبية ولا الظروف السياسية ولا مصلحة المسيحيين. يقول سياسيون معارضون للتأهيلي: الذي تغير هو مصلحة باسيل.

ما بين اصرار رئيس الجمهورية على رفض التمديد، ودعوة باسيل الى التصويت، فُهم ان الاتفاق حصل بين التيارين الازرق والبرتقالي لاعتماد الصيغة التأهيلية. نواب في كتلة المستقبل أسرّوا لاصدقاء لهم ان الحريري سحب يده من التمديد. ظهر ذلك ايضاً في الساعات الماضية، وخلال أحد لقاءاته في السرايا الحكومية أوحى الحريري لضيوفه انه سيمضي بالتأهيلي من دون اظهار قراره الحاسم، متذرعاً بوجوب ارضاء جنبلاط. لكن الحريري استحضر ايضا القانون المختلط، وكأنه الصيغة البديلة عن التأهيلي في حال وافقت عليه الثنائية الشيعية.

بالمقابل، لم يغب القانون النافذ. لا زال حاضرا. قانونيا لا يمكن دفنه من دون ايجاد بديل. أي طعن قانوني يجري تقديمه للمجلس الدستوري يمكن ان يعيد خلط الاوراق. من هنا كانت عظات البطريرك الماروني بشارة الراعي تستند الى القانون والواقعية السياسية. لا مصلحة شخصية للبطريرك بأي صيغة. المصلحة وطنية عامة عند بكركي التي تخشى من الفراغ وتوصف التمديد بأنه استيلاء على السلطة. وأي فراغ سيجر الويلات على لبنان وخصوصا على المسيحيين، لأنه سيعيد ترتيب نظام سياسي جديد. من يضمن بقاء المناصفة حينها؟

لا يجوز التقليل من المخاطر. ما يجري في المنطقة والعالم يجعل كل السيناريوهات ممكنة. أي ازمة لبنانية قد تطول. لا اكتراث دوليا الآن للبنانيين. أولويةمكافحة الارهاب هي الأساس. يُفترض بالسياسيين اللبنانيين ان يواكبوا تطورات تحصل، وقد تفرض على الداخل استنفارا لمؤازرة جيش لبناني سيخوض معركة حاسمة يتحضر لها على الحدود الشرقية.