تقوم فكرة التأهيل الانتخابي المتداولة على مبدأ الاحتكام إلى العصبيات الطائفية والمذهبية باعتماد قاعدة تمييزية في التعامل مع المواطنين خلافا لقاعدة دستورية مبدئية هي المساواة في ما بينهم في جميع الحقوق والواجبات ولذلك فإن رفض هذا الطرح الذي يشوه النظام النسبي الذي انتزع المشروعية والاعتراف بعد طول جدال وممانعة يمنع التمادي في تشريع التوحش الطائفي والمذهبي لجعله قاعدة مولدة للمجتمع السياسي وللواقع الدستوري بينما الأصل في المبادئ الدستورية والميثاقية منذ العام 1943 هو السعي إلى التخلص من القيد الطائفي ووضع خطة وطنية لبلوغ تلك الغاية التي وضعت دستوريا بمنزلة الهدف الأسمى وفقا لما نص عليه اتفاق الطائف صراحة.

أولا- اورد العديد من المعترضين ملاحظات وجيهة على صيغ التأهيل المقترحة وهي جميعا صحيحة وواقعية وقد كشفوا فعلها في تهميش مجموعات واسعة من الناخبين من طوائف معينة وفي العديد من الدوائر (ومن بعض الأمثلة الناخبون السنة والمسيحيون في قضاء صور والناخبون الشيعة في صيدا وكسروان وعكار إلخ ...) وهذا ينطبق على جميع الدوائر التي يقضي التوزيع الطائفي بحصر تمثيلها النيابي في طوائف محددة وهو يمثل نقضا فاضحا لقاعدة المساواة بين الناخبين والمرشحين ومعنى ذلك ان صيغة التاهيل الانتخابي ترسخ تعميق الشروخ الطائفية وتناقض مبدأ الوحدة الوطنية كما تنسف الدستور عن بكرة أبيه.

البديهيات القانونية والدستورية تفرض التعامل مع الناخب كمواطن دون اعتبار لمعتقده الديني او لتصنيفه في القيود على خانة طائفة او مذهب وهو الأصح في التوصيف العلمي وكيف يعقل منع مواطنين يشاركون في حياة عامة لمنطقة لبنانية من المشاركة في تفضيل المرشحين ليكونوا نوابها في أي مرحلة من الانتخابات العامة لمجرد تصنيفهم الطائفي او المذهبي ألا يعد ذلك فرزا طائفيا وتمييزا عنصريا؟

المقعد النيابي محدد أصلا بالحيز الجغرافي التمثيلي الذي يضم جميع السكان قانونا وعرفا إضافة إلى الصفة الطائفية الناتجة من التوزيع الطائفي العام لمقاعد مجلس النواب وليس عن حصرية الصفة التمثيلية في القضاء وخلاف ذلك هرطقة عنصرية وانحدار إلى مفهوم الحسابات الملية التقسيمية.

ثانيا- التطبيق القهري والمشوه لصيغة الطائف فرض حالة من الغبن التمثيلي ينبغي تفهمها وتفهم تفاعلاتها في صفوف جمهور عريض من أبناء الوطن وكذلك تفهم التفاعلات السياسية الناتجة منها لكن الذهاب بعيدا في إعلاء الحساب الطائفي والمذهبي على المصلحة الوطنية او على القواعد الدستورية المدنية بات خطرا جديا يهدد البلد ويسمم الحياة الوطنية.

المعضلة التي أنشات حالة الغبن كانت حصيلة لتهميش قوى سياسية معينة حذف بعضها (وخصوصا التيار الوطني الحر ففي حالة القوات جدل والتباس قضائي وسياسي اما الكتائب فقد شارك منها جناح سياسي كبير بقيادة الوزير الراحل الدكتورجورج سعادة) وكانت الحصيلة العملية لمصلحة مجموعات سياسية مرتبطة بهمينة محور سياسي أساسي في السلطة وضع يده على تسمية معظم نواب المقاعد المسيحية في غالبية الدوائر (المستقبل والتقدمي بالتشارك مع بكركي) طوال مرحلة ما بعد الطائف حتى انتخابات العام 2005 التي استرجعت بها القوى المحذوفة حضورها وباتت موجودة في البرلمان وهي انتزعت حجما تمثيليا في ظل القانون الأكثري الذي اختارته في الدوحة واعتبرته انتصارا كبيرا آنذاك! وهي ستكون أقدر على انتزاع فرص نزيهة ومتكافئة لتعزيز تمثيلها الشعبي والبرلماني مع اعتماد النسبية الكاملة على قاعدة المساواة مع القوى السياسية الأخرى بجميع تلاوينها.

البعد الأهم الذي يجب الالتفات إليه ان حلفا سياسيا غير طائفي وحضورا سياسيا وطنيا بامتياز ووهجا شعبيا عابرا للطوائف هو القوة الفعلية التي صمد وصعد بها خيار انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية الذي اعتبر نقلة نوعية لتصحيح مسار الطائف وهذا ما لاينبغي حذفه من قاعدة الحساب السياسي لتغليب كفة الصفة التمثيلية الطائفية التي هي أقل وأصغر بكثير من البعد الشعبي الحقيقي لهذا التحول وللفرصة التي ينطوي عليها في الحياة الوطنية.

ثالثا- الانقسام الطائفي والمذهبي الذي استعر مؤخرا بمناسبة النقاش في ​قانون الانتخاب​ يستحضر أشباح الماضي السحيق الذي تحمل مسؤوليته قيادات متعاقبة ومن جميع الطوائف منذ الانتداب الاستعماري الفرنسي وبعضها قيادات استثمرت على التعصب والولاء للخارج الأجنبي وأنشأت مصالحها وتورطت فيارتباطات مشبوهة ومدانة بذرائع انغماسها في غابات الاقتتال الأهلي والانفلات العنفي والتطاحن والتوحش بينما هي كانت تمارس أبشع انواع التقاسم العابر لخطوط النار لأدوار النهب والقرصنة والارتهان كما كانت تمارس في زمن السلم تقاسم المغانم في مؤسسات الدولة وحيث يسعى اليوم الجميع لنيل حصته بكل شبق بدلا من التغيير وقد تكفلت هذه النوعية من القادة بوأد كل طموح تغييري وإحباط كل مشروع إصلاحي والارتداد عليه كما جرى مع التجربة الشهابية وكما حصل بعد الطائف وبتطبيقه المشوه وكما يحصل اليوم مع فرصة انتخاب الرئيس ميشال عون.

ختاما كانت في مؤتمر لوزان عبرة وطنية تفرض نفسها اليوم وهي ان التركيز على الأطر الوطنية يبقي الفرز السياسي على قواعد سليمة بينما الاحتكام إلى العصبيات قد يفكك امتن التحالفات الوطنية فقد خسرت جبهة الخلاص التي أسقطت اتفاق 17 أيار شريكا ومؤسسا كبيرا يوم ذاك هو رئيسها الرئيس الراحل سليمان فرنجية عندما صار الفرز داخل المؤتمر حول حصص الطوائف بينما كان الجمع على الأهداف الوطنية العليا والتخلي عن النزق الطائفي سيبقيها متماسكة ومتفوقة سياسيا وربما لو حصل ذلك لتبدلت أشياء كثيرة في تاريخ لبنان القريب وربما امكن تحاشي خضات مكلفة وقعت بعد ذلك التاريخ تلك حكمة من التجربة يعرفها الرئيس نبيه بري وبناء عليها نفهم تمسكه مع حزب الله بالنسبية الكاملة ورفضهما للتأهيل المذهبي.