"لكن"... كل السرّ يكمن في تلك الـ”لكن”. فأن يخرج الرئيس نبيه بري رافضًا ​التمديد​ “لكن” يريد حماية البلد والمؤسسات، في الأمر تسويقٌ صريح لكأس من اثنتين يبدو أنه كُتِب على اللبنانيين اجتراع إحداهما: التمديد القسري أو قانون الستين.

لم يُخرِس صخبُ الشارع أمس صخبَ النقاشات الانتخابية لا بل فوضاها. كلّ شيء يبدو سورياليًا. لم يعد أحدٌ يفهم ما يحصل في الدور السياسية ولا ما إذا كان كلّ ما يُقال يعكس حقيقة ما يُضمَر.

سال لعاب "الستينيين"

في الأمس القريب جدّد رئيس الجمهورية “لاءاته” محاولًا قطع الطريق على التمديد والفراغ في آنٍ، فقامت الدنيا ولم تقعد وسال لعاب الضاربين على وتر عودة “الستين” راكنين الى غمز البطريرك الماروني مار بشارة الراعي من قناته. عاد الكاردينال وأوضح ما قصده في ما يتعلق بالقانون الساري، قبل أن يطلّ رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ليؤكد أن الستين والتمديد والفراغ سواسية. في الأمس، التفّ الرئيس نبيه بري على كل الكلام ومحاولات الظفر للنسبية. في العلن يؤيّد الرجل كلّ أشكال النسبية شرط أن يرتضيَ بها حليفه الاشتراكي الذي معه يطهو ويبلور ويدحض ويكرّس. لدى برّي موالٌ يغنّيه أما جوقتُه فمؤلفة من الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض أعضاء حزب المستقبل وأخيرًا يبدو أن حزب الله انضمّ اليهم.

"نسبي" جديد!

لدى رجل عين التينة الذي يُعتبر عرّاب القانون التأهيلي “الراسب” وداحضه في آن، قانونٌ نسبيٌّ جديد ينتج مجلسًا نيابيًا مولودًا من شرعية “نسبية” على أن يُستتبَع بإنشاء مجلس شيوخ، وبهذه الطريقة يكون الرئيس بري أرضى جميع الأطراف وعلى رأسهم حليفه الشيعي حزب الله الذي ينادي بالنسبية الكاملة، وبعده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي “يشتهي” رئاسة رابعة من شأنها أن تكرّس دوره في البلاد كرئيس طائفة قبل كلّ شيء، ولا فرصة مؤاتية أو أفضل من ترؤّس مجلس الشيوخ. قد لا تكمن العصي التي ستوضع في دواليب هذه الصيغة التي تُعدُّ واحدة من مجموعة صيغ رسم بري مسودّتها في الأيام القليلة الخوالي، في مجلس الشيوخ نفسه الذي لا يجرؤ أحدٌ على إسقاطه بذريعة أنه ابنُ اتفاق الطائف وأحد أبرز بنوده غير المطبّقة، بل في القانون النسبي الذي يطرحه بري والذي لا يمكن لأطرافٍ جمّة أن ترتضي به متى ثبُت أنه قائمٌ على نسبية كاملة وعلى توزيع دوائر لا يفرز لرؤساء الأحزب الكمّ والنوع نفسيهما.

يستفيد من أكثر من عامل

لا يبدو بري مهادنًا في الآونة الأخيرة. يستفيد الرجل من أكثر من عامل ليعيد كرة الضوء الى دارته ودوره. تجده يلهو بالجميع في وقت فراغٍ فرضه عليه رئيس الجمهورية بتعليق أعمال مجلسه. كثيرة هي العوامل التي تساعده في هذا الصدد، أولها تلهّي الجميع باستعراضات الشارع التي عادت لتشكّل صفعةً للعهد الجديد بحيث بدا المسؤولون عاجزين أمس عن منع الشغب والعبث بيوميات اللبنانيين وممتلكاتهم الى أن تدخّل رئيس الجمهورية. وثانيها فوضى الصيغ المصبوغة برمّتها بتفصيلاتٍ على قياس كلّ حزب وليس آخرها مشروعا الوزير باسيل والتقدمي الاشتراكي اللذان ما حظيا بفرصة الخروج الى النور إذ لاقتهما قوى عدة بتحفظاتٍ تفصيلية نابعة مما تجده كلّ جهةٍ مضرًا بها أو مناسبًا لها. أما ثالثها فالتشققات والصدوع التي بدأت تشوب العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني وأكثر تحديدًا بين حزب الله والوزير جبران باسيل بحيث لا يستسيغ الأول سلوك الثاني الباحث عن إنصاف المسيحيين بشتى الطرق تماهيًا مع خطاب الرئيس وقسمه، والحريص على تنسيق كلّ الخطوات والمواقف الانتخابية مع الحليف المسيحي معراب. كلّ هذه العوامل ولا سيما آخرها تجعل مهمّة رجل عين التينة أكثر سهولة واستساغة رغم أن كثيرين يذكّرونه بكلامٍ قاله في هذا الصدد يوم أكد أن التمديد من دون قانونٍ للانتخاب غير وارد.

مفاجأة الحريري؟

وفيما يحصر الجميع طروحهم ومساعيهم في مهلة أقصاها 15 أيار، يثلج الرئيس عون قلوب “الحايصين” بتأكيده أن المجلس قادرٌ على اجتراح قانون جديد للانتخابات في مهلة تمتد حتى حزيران ولو تطلّب الأمر تمديدًا تقنيًا لا يتجاوز الأشهر المعدودة شرط إجراء الانتخابات في نهاية المطاف ووفق قانون يحمل شيئًا من “الجِدّة” إن لم يكن جديدًا في المطلق. في الانتظار يتساءل الجميع: أين تيار المستقبل من كلّ ذلك؟ الجوابُ العلني يشير الى جلوس التيار الأزرق متفرجًا طالما أن الكأسين المرّتين (التمديد والستين) تناسبانه في مطلق الأحوال، بيد أن الجواب الخفي يأخذ المتسائلين الى معلوماتٍ مفادُها أن الرئيس ​سعد الحريري​ لا ينام على حرير التمديد لا بل رفضه جهارًا ولا يناسبه أن ينكث بالعهد الذي التزم به مع رئيس الجمهورية بإنتاج قانون جديد للانتخابات، وبالتالي يعمل على أكثر من خطٍّ من أجل إنهاء “فوضى” الطروح بصيغةٍ تقنع المسيحيين على أن يتولى تسويقها في باقي الأوساط. علمًا أن كل المعطيات والمعلومات المسرّبة من بيت الوسط تؤكد أن الحريري شأنه شأن رئيس الجمهورية لن يقبل بالتمديد أيًا كانت ذرائعه هذه المرة، على أن يُحدِث نقاش ربع الساعة الأخير زوبعة في الفنجان الانتخابي ويقلب كل المعادلات بتوقيع: الرئيس الحريري. فهل يفعلها؟