في خضمّ التخبّط الشديد الذي يسود مواقف القيادات السياسية إزاء وقائع وتطورات نقاشات الصيغ الانتخابية المطروحة، يلتزم الصمتَ رئيسُ حزب الطاشناق النائب ​هاغوب بقرادونيان​.

لا يبدي بقرادونيان في حديث لـ«البناء» رغبة في إبداء رأيه بالجدل البيزنطي الدائر، بانتظار أن تولد النسخة الأخيرة المنقحة لقانون الانتخاب.

حتى الساعة، كلّ الصيغ المطروحة استثمار في الوقت الضائع. ما إن يولد مشروع معيّن، حتى يتمّ التحضير لدفن مَن سبقه والسبحة تكرّ من المختلط وصولاً إلى الطرح التأهيلي. يقول بقرادونيان، فمستوى نقاشات القوى السياسية يعكس المأزق الذي يعانيه لبنان. مأزق يتجاوز القانون الانتخابي والمهل الدستورية ليطال النظام اللبناني، التربية السياسية، في ظلّ تشبّث قادة الطوائف بمصالحهم. لا أحد منهم يتنازل عن حق مكتسب له.

يسخر النائب الأرمني من شعارات بعض الكتل السياسية الرنانة بضرورة تقديم الجميع التنازلات لإنهاء الأزمة، بيد أنّ من يملك حصة وازنة يرفض التنازل عن مقعد واحد وعينه على من يملك حصة صغيرة يريد أن ينتهشها منه.

رغم طبيعته الإيجابية، لا يبدي بقرادونيان تفاؤلاً بالاتفاق على قانون انتخاب قبل 15 أيار. كلّ التحركات والمشاريع المقدّمة، مع أهمية التحرك والتعدّدية، تدور في حلقة مفرغة. لا يزال نائب المتن الشمالي على موقفه التشاؤمي الذي أطلقه بعد انتهاء اجتماعات لجنة التواصل منذ سنتين، عندما اعتذر من الشعب اللبناني عن الجوّ التفاؤلي الذي عكسه في بداية عمل اللجنة.

يتوقف بقرادونيان عند تلميحات البطريرك الماروني بشارة الراعي لجهة إجراء الانتخابات وفق الستين. يسأل لا أدري إلى أين ستأخذنا إشارات بكركي، لكنه يشدّد على أنه إذا خيّر بين الفراغ وإجراء الانتخابات على أساس قانون الدوحة فسيختار الانتخابات، لأنّ من شأن إجرائها وفق القانون النافذ أن يتمّ أقله انتخاب مجلس نيابي قديم جديد.

لا يكفي أن نقول إنّ هذا التيار أو هذا الحزب غير طائفي، فالنظام في لبنان طائفي بامتياز. هكذا يصف رئيس حزب الطاشناق المشهد القائم. يعود بالذاكرة إلى خطوة بناءة قام بها الرئيس العماد إميل لحود عبر التعيينات غير الطائفية التي أجراها في بعض المراكز الأمنية المهمة الأمن العام، أمن الدولة، والحرس الجمهوري ، لكن المفارقة أنّ هذه المواقع باتت مكسباً لبعض الطوائف. ففي ظلّ النظام الطائفي، بات كلّ فريق يبغي المحافظة على طائفته وحقوقها.

في ضوء هذا المشهد، يرى النائب الطاشناقي أنّ إلغاء الطائفية لن يتحقق في المدى المنظور والبعيد، وسنبقى نُدوّر الزوايا للوصول لتسويات. فلبنان بلد التسويات.

على هذا الأساس، يشدّد بقرادونيان على أهمية احترام خصوصيات الطوائف بالمنطق التسووي السائد. لكن احترام حقوق طائفة معينة يستدعي احترام خصوصيات كلّ الطوائف لا سيما في إقرار قانون الانتخاب. ويقول: أنا أناضل للمحافظة على خصوصية الطائفة الدرزية من منطلق أساس التعايش في لبنان. في المقابل يجب على الآخرين أن يضمنوا خصوصية الطائفة الأرمنية من بيروت إلى المتن إلى زحلة.

إذاً الأرمن ليسوا كاريتاس. انتهى زمن تقديم التنازلات وتوزيع المقاعد للجهات السياسية. سنعمل، يقول بقرادونيان، على استرداد كتلة نواب الأرمن التي ذهبت ضحية القوانين المجحفة والتسويات الداخلية، ففي العام 1992 تألفت الكتلة من سبعة نواب وفي العام 1996 تشكلت من سبعة نواب، أما اليوم فهناك ستة نواب 4 منهم يأتون بأصوات غير الأرمن. في إشارة إلى النواب سيرج طورسركسيان، شانت جانجنيان، سيبوه كالبكيان، وجان أوغاسبيان.

يشكل حزب الطاشناق أكبر الشرائح الأرمنية في لبنان. من هذا المنطلق يؤيد النظام النسبي الذي يؤمّن التمثيل الصحيح للمسيحيين. لكن المفارقة تكمن، عند بقرادونيان، عند الذين يتنطّحون ليل نهار بالحديث عن النسبية، في حين أنهم يشوّهون النسبية بـ«قصقصة الدوائر» لتحاكي مصالحهم، مؤكداً رفضه لقوانين «الإبادة الانتخابية» والعمل لإقرار قانون انتخاب عصري يبني الدولة الديمقراطية ودولة المواطنة والحريات.

في المبدأ يرسم القانون الانتخابي شكل التحالفات في المناطق، غير أنّ حزب الطاشناق ثابت على تحالفاته مع التيار الوطني الحر والنائب ميشال المر والحزب السوري القومي الاجتماعي.

إنّ تحالف الثنائي المسيحي في المتن لن يغيّر في قرار الطاشناق التصويت لمن يعتبرهم حلفاءه، سواء أكانوا استراتيجيين أم مرحليين. سيوفق الطاشناق بين حلفائه في انتخابات 2017 أو انتخابات 2018 أسوة بانتخابات 2009، إذ التزم مع التيار الوطني بالتصويت لبعض المقاعد وفي الوقت نفسه صوّت لمرشح القومي في لائحة التيار البرتقالي وللنائبين المرّ والجميّل.

وفق بقرادونيان، التحالف في المتن سيترجم في تحالفات بيروت وزحلة. سيتمّ تسخير ثقل أصوات الطاشناقيين لتفعل فعلها ولن نقبل بالغبن والتهميش. لسنا مستعدّين أن نتحالف في المتن مع فريق سياسي سيسمّي مرشحين في وجهنا ببيروت أو زحلة. لا يغفل أمين عام حزب الطاشناق بوادر تحالف ممكن مع تيار المستقبل في بيروت، بعدما سارت الأمور بشكل إيجابي في انتخابات بلدية بيروت، وإنصاف رئيس تيار المستقبل لنا بتقديره التزام الطاشناق التصويت لللائحة البيارتة.

يبقى أنّ الطاشناق على علاقة ممتازة بالتيار الوطني الحر. التباين في بعض المواقف لا يفسد في التحالف قضية. يقول بقرادونيان، مشدداً على أنّ العلاقة مع الوزير جبران باسيل أكثر من ممتازة.

يدحض بقرادونيان الكلام عن خلافات بين الرابية وبرج حمود حول بعض القرارات التي يسمع بها الطاشناق في الإعلام ولا يوضع في صورتها قبل صدورها، بإشارته إلى أنّ أيّ موقف لا نكون في أجوائه نعلن أنه لا يعنينا، فنحن معنيون فقط بالقرارات التي تصدر عقب اجتماع تكتل التغيير والإصلاح الذي نشارك فيه، وفي الوقت نفسه لا أحد يملي علينا ما نفعله. العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومع «الوطني الحر»، علاقة شفافة. يؤكد بقرادونيان، فنحن نحافظ على استقلاليتنا وتميّزنا وهم يحترمون استقلاليتنا والعكس، وكنا سنشارك في الجلسة العامة في 14 نيسان الحالي ونصوّت ضدّ التمديد، في حين أنّ التيار الوطني الحر كان متجهاً نحو المقاطعة والتصعيد الديمقراطي في الشارع.

وعليه، لم يدخل الحزب الأرمني الاقدم في لبنان وأمينه العام طرفاً حيال خلاف الرابية – بنشعي، بقيت العلاقة، بحسب بقرادونيان، مع رئيس تيارالمردة النائب سليمان فرنجية متينة ولم تتبدّل قيد أنملة سواء بظروف سياسية أو تحالفات أو مواقف تترجم بسوء تقدير. لكنه يشير، رداً على سؤال عن صيغة باسيل التأهيلية التي تهمّش الوزير فرنجية من خلال تقسيمات الدوائر، إلى أنه «ضدّ أيّ قانون انتخاب يهدف إلى تهميش أيّ مكون سياسي، وفي الوقت نفسه لا نستطيع القول إنّ هناك حرباً ثنائية ضدّ رئيس «المردة» إنما تسجيل مواقف وإعادة تموضع. ويستطرد «هذه المشاريع لم تبصر النور». ويختم «لا يمكن التكهّن باستمرار التوتر بين بعبدا وبنشعي، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بيّ الكلّ، والوزير فرنجية معروف بصراحته المعهودة وصدقه»

الطاشناق: انتقمنا لأرواح شهدائنا والمسيرة مستمرة

اختار الأرمن 24 نيسان تاريخاً لذكرى الإبادة الجماعية التي تعرّضوا لها عام 1915 حيث أعدمت السلطنة العثمانية نحو 250 أرمنياً في إسطنبول من نخبة المجتمع الأرمني، فمنهم القادة والمثقفون والكتّاب ورجال الدين.

ليست الإبادة الأرمنية أولى المجازر التي تعرّض لها الأرمن الذين كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية. عمليات القتل والتهجير بدأت بين عامي 1894 و1896عندما سارع الشباب الأرمن إلى المطالبة بإصلاحات سياسية وبملكية دستورية وبانتخابات وبإلغاء التمييز ضدّ مسيحيّي السلطنة، ما أغضب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني حينذاك، فارتكب مجازر راح ضحيتها حوالى 80 ألفاً، بينهم 2500 امرأة أرمنية أحرقوا في كاتدرائية أورفة.

اعترفت 26 دولة بالمجازر الأرمنية حتى اليوم. وسواء اعترف العالم بالقضية الأرمنية المحقة أو لم يعترف، فإنّ المسيرة مستمرة رغم كلّ التحديات، كما يقول الأرمن في لبنان، لتحقيق العدالة وتعويض الخسائر البشرية والسياسية والمادية والمعنوية والجغرافية التي لحقت بأجدادهم.

وعليه، فإنّ حزب الاتحاد الثوري الأرمني حزب الطاشناق الذي تأسّس في العام 1890 في تبليسي عاصمة جورجيا، بسبب الاضطهاد العثماني، ماضٍ في نضاله السياسي والإعلامي حتى تُعاقب تركيا على جرائمها اللاإنسانية. يقول مناصروه، فنحن ناضلنا وانتقمنا لأرواح شهدائنا بقتل الكثير من الضباط الأتراك كطلعت باشا في برلين، وأحمد جمال باشا في تفليس، وأنور باشا وآخرين، وفخورون بذلك.

عايش حزب الطاشناق فترات تاريخية مختلفة من حكم الامبراطورية العثمانية. كان كأبناء شعبه ضحية الإبادة الجماعية التي ارتكبت على يد العثمانيين الأتراك في الحرب العالمية الأولى، كما كان أول من انتفض على تلك المأساة ليناضل ويحقق لشعبه حلمه في الحصول على أول استقلال في تاريخ جمهورية أرمينيا في العام 1918، بحسب ما يؤكد أمينه العام.

يعود تاريخ وجود حزب الطاشناق في لبنان إلى العام 1902، مع تأسيس أول خلية حزبية له. شكل أحدّ مؤسسي الحزب سيمون زافريان مصلحة طلاب الطاشناق من الطلاب الأرمن في الجامعة الأميركية واليسوعية. بعد وفاته سُمّيت الجمعية المستمرة في عملها منذ عام 1904 حتى اليوم بجمعية طلاب زافريان.

حزب الطاشناق هو الحزب الأقدم في لبنان، من هذا المنطلق يتشبّث الأرمن بأرضهم في لبنان، فعندما تأسّست الدولة اللبنانية كان الأرمن موجودين داخل الكيان اللبناني.

اللامركزية السياسية والإدارية أساس نظام الحزب رغم وجود هيئة عليا في العالم. صحيح أنّ هناك مركزية عقائدية لكون الطاشناق المنتشر في 34 دولة هو حزب اشتراكي، لكنه كما يقول مسؤولوه يتمتع بـ لامركزية إدارية تنظيمية ونهج ديمقراطي. اللجنة المركزية في بيروت مستقلة تماماً بقراراتها السياسية والتنظيمية والإدارية وتعمل ضمن نطاق مسؤولياتها في لبنان. والهيئة العالمية لا تتدخل بالتنظيم السياسي ولا بالقرارات السياسية ولا بالتحالفات اللبنانية ولا بتسمية الأمين العام والوزراء والنواب.

حزب الطاشناق الذي رفع شعار خدمة الشعب، تعمل مؤسساته الاجتماعية والإنسانية والصحية كخلية نحل. تعدّت استقبالات «النادي الأرمني» في لبنان الشباب الأرمن اللبنانيين، إلى الأرمن السوريين النازحين من وطأة الحرب السورية. ففي سورية يتوزّع النازحون الأرمن إلى ثلاث فئات.

1 – النازحون من حلب إلى اللاذقية والشام.

2 – النازحون إلى لبنان 11 الف أرمني سوري .

3 – نازحون إلى أرمينيا عبر لبنان، وإلى كندا والولايات المتحدة مع فتح السفارات الأجنبية أبوابها أمام المسيحيين.

لا يشكل الأرمن السوريون الموجودون في لبنان عبئاً على الدولة اللبنانية. يتلقى هؤلاء المساعدات من حزب الطاشناق. هذه مسؤوليته الإنسانية يقول قياديوه، فنحن نساعدهم من «لحم أكتافنا» لأنّ المنظمات الدولية لا تهتمّ إلا بالمخيمات وببروباغندا تصوير البؤس، لأنهم يعيشون في منازلنا سواء في المتن أو برج حمود أو زحلة أو بيروت، ويتلقون التعليم في غالبيتهم مجاناً في مدارس الأرمن الأرثوذكس الخاصة من دون أية لفتة من الدولة اللبنانية التي لا تساعد إلا المدارس الرسمية.

حذر حزب الطاشناق ولا يزال من إعادة إحياء السلطنة العثمانية بواسطة العثمانيين الجدد رجب طيب أردوغان ، انطلاقاً من حرصه على لبنان والمشرق. فالحكومة التركية، بحسب بقرادونيان ترتكب المجازر بحق الشعب السوري، كما ارتكبتها سابقاً بحق الأرمن لأسباب عقائدية تركية عثمانية. فبعد 102 سنة النهج التركي لا يزال هو نفسه، وأردوغان يتحدث من دون أيّ خجل عن إعادة إحياء الحلم العثماني القديم في المنطقة.