اشار رئيس "المجلس الوطني للاعلام" ​عبد الهادي محفوظ​ الى ان "الاعلام اللبناني كان رائدا في العالم العربي، والسبب الرئيسي هو الحرية الإعلامية وحرية التعبير والتنوع وهي حريات كانت ميزة لبنان وما زالت".

وخلال ورشة عمل دور وسائل الإعلام والإتصال في التوعية الإجتماعية، اوضح ان "حقيقة الأمر، لم يعد الإعلام بسلطة رابعة، فهو السلطة الأولى التي تسوق السياسات والسياسيين وتتحكم بصناعة الرأي العام. وبالتالي فإن المقياس هو في الوظيفة التي نريدها للإعلام، وظيفة البناء أم الهدم، فهو قادر على الإثنين معا. ففي مراحل الإنقسام السياسي والطوائفي تغلب وظيفة الإنقسام وفي مرحلة السلم الأهلي وفي ظل دولة المؤسسات تغلب وظيفة البناء والوحدة. وهذا ما نأمله في المرحلة الحالية مع فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون الذي يأمل ببناء دولة قوية وقادرة وعادلة".

واشار محفوظ الى ان "البيان الوزاري الأول لحكومة الاستقلال الأولى في 7 تشرين الأول 1943 اعتبر أن الطائفية "تقيد التقدم الوطني من جهة وتشوه سمعة لبنان من جهة أخرى، فضلا عن أنها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني". وقال: "لقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة، كما كانت أداة لايهان الحياة الوطنية في لبنان إيهانا يستفيد منه الأغيار". اضاف: "الواضح أن الطائفية السياسية هي مصدر أساسي من مصادر الخلل والانقسام اللبناني والنزاعات اللبنانية. وهكذا يمكن للاعلامي اللبناني أن يسهم في بلورة مفهوم أننا نريد أن نكون مواطنين في وطن لا مواطنين في طوائف ومزارع سياسية، وهذا يتطلب إسقاط لغة التحدي في العلاقة بين اللبنانيين وبين الموالاة والمعارضة، خصوصا وأن تكوين لبنان الهش يجعله أكثر عرضة من غيره في لحظة الضغوط والتأزم التي تمر بها المنطقة. فالتفاعل بين الطوائف على قاعدة المواطنية يغني حوار الطوائف ويجعل من الصيغة اللبنانية التي هي عبارة عن حوار تفاعل بين الأديان رسالة حضارية الى العالم على ما يقول ويستنتج الامام موسى الصدر ويجعل من لبنان ليس مجرد بلد بل رسالة على ما يقول قداسة الحبر الأعظم".

ولفت الى ان "الكلام عن دور الإعلام في التوعية الاجتماعية وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الاهلي والخروج من الطوائفية البغيضة وتصويب الاداء السياسي والاعلامي فيفترض أن يكون هناك "رؤية إعلامية" تمتلكها الحكومة في هذا الإتجاه - فهل هناك مثل هذه الرؤية"، مؤكدا "ان إنتاج مثل هذه الرؤية يحتاج إلى ورشة إعلامية تشترك في صياغتها الدولة ومؤسساتها والجامعات والنخب في المجتمع المدني".

واكد ان "السؤال المطروح أي نوعية من الإعلام نريد. فالإعلام يمكن أن يكون بناء أو هداما وفقا للوظيفة التي نريد أن نعطيه إياها. والمطلوب تبادل التنازلات من أجل وقف الإنهيار، ذلك أن معادلة لا غالب ولا مغلوب: هي عبارة عن هدنة موقتة أو طويلة لكنها ليست هي الحل. يمكن أن تمهد لسلم أهلي يعمل خلاله على بناء الدولة القادرة والعادلة والتي همها إرساء فكرة المواطنية الجامعة. فالهواجس المتبادلة هي مصدر للتوتر المستمر. وهكذا لا بد من التوافق حول معنى المفردات: الديموقراطية، العيش المشترك، المواطنية، السلم الأهلي، السيادة، العروبة، الإرهاب، الفصل بين السلطات.

وشدد على انه "في التلاقي الذي حصل على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يمكن للإعلام أن يساهم في استثمار هذا التوافق والبناء عليه بقطع الطريق على التوترات والعصبيات ولإطالة فترة الهدنة، باعتبار أن التاريخ اللبناني هو تاريخ حروب تقطعه هدنات طويلة أو قصيرة طالما لم تربط فكرة الدولة بقيام مواطنية حقيقية وطالما هناك سقوف متعددة لهذه المواطنية وطالما لم يلغ اتفاق الطائف تعددية السقوف هذه ولم تنفذ مقرراته المرتبطة بإلغاء الطائفية السياسية وبإنشاء مجلس الشيوخ. بمعنى آخر السلم الأهلي الظاهري الذي نشهده الآن هو موقت وعابر وقابل للانفجار ويمكن للإعلام تظهيره وتثبيت معادلاته عبر الخطوات الآتية: الإلتزام بالموضوعية والإستقلالية والأمانة والتنوع، الإبتعاد عن المبالغة وتقديم صورة حقيقية واضحة، الإلتزام بالمواثيق والأعراف الدولية والتعامل الشفاف مع الأخبار، تعزيز روح التسامح والألفة والتشجيع على ثقافة الحوار لا الخلاف، الإعتراف بالخطأ لدى وقوعه والمبادرة إلى تصويبه وتفادي تكراره، التمييز بين النقد والتجريح، عدم بث كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو التعرض للنظام العام ومقتضيات المصلحة الوطنية أو التحريض على العنف في المجتمع، الترويج لحوار الثقافات والأديان بديلا من مقولة حرب الحضارات، إغناء المشاهد والمستمع والقارئ بالمعارف والثقافات وتعريفه بحرياته وحقوقه الأساسية وواجباته تجاه عائلته وشعبه، اداء المؤسسات الإعلامية رسالتها كأدوات فاعلة في بناء الإنسان وتطوير الذوق العام، احترام الشخصية الإنسانية وحرية الغير والطابع التعددي في التعبير عن الأفكار والآراء، التركيز على دور التنمية في تعزيز و ربط الأطراف والأرياف بفكرة الدول’، يمكن للمؤسسات الإعلامية استنادا إلى القوانين حجب كل تصريح سياسي فيه مساس بكرامة الآخر أو الإعتداء على حريته أو التحريض على الإثارة الطوائفية والسياسية، في ظل التوافق الحالي يمكن للحكومة الجديدة أن تستظل بإرادة سياسية واحدة في مجال الإعلام تتيح تطبيق القانون المرئي والمسموع وقانون المطبوعات وترفع غطاء الحماية السياسية والطوائفية عن هذه المؤسسات كما تحمي المؤسسات الاعلامية من الانهيار، يمكن للإعلام أن يصوب الأداء السياسي ولا يعطي فرصا للإنقسام السياسي والطوائفي في التحول إلى "حالة اسرائيلية" محكومة بالهواجس والمخاوف المتبادلة وتفسح المجال أمام اسرائيل للتسلل إلى "الداخل اللبناني" سواء عبر الجواسيس أو عبر تخريب السلم الأهلي، إحتضان المقاومة من الدولة والمجتمع باعتبارها عنصرا اساسيا في وقف الإعتداءات الإسرائيلية واستعادة مزارع شبعا وكافة الأراضي اللبنانية والحؤول دون التوطين وسرقة اسرائيل للمياه اللبنانية، دعم الجيش اللبناني ومساندته باعتباره الأداة الأساسية للسلم الأهلي ووحدة الدولة، دعم الاعلام لمعادلة المواءمة بين الانماء والتحرير والتي أرساها الرئيس الراحل رفيق الحريري والتي يمكن متابعتها مع نجله الرئيس سعد الحريري.

واشار الى ان ثمة تبادل للتأثير بين الاعلام المرئي والمسموع والنخب الثقافية. فمن المعوقات الاساسية لقيام الاعلام بمهمة تربوية غرضها توحيد المجتمع غلبة المسألة الطائفية ومعها كون الاعلام المرئي والمسموع بغالبه تجاري النزعة ويحتضن اعلام الاثارة سواء السياسية او الغرائزية، اضافة الى غياب النخبة اللبنانية عن القيام بدورها على صعيد تعزيز الثقافات الموحدة وصهر القيم المشتركة وبسبب التحاقها بالمصالح الطائفية.

واكد انه "يمكن للاعلام اللبناني وتحديدا المرئي والمسموع منه ان يكون منبرا اساسيا في رسم صورة ايجابية لحوار الحضارات مستفيدا من الصيغة اللبنانية لهذا الوطن الصغير بما تعنيه هذه الصيغة من كونها نموذجا لحوار الحضارات ومن تمسك بوحدة لبنان وصيانة كونه امانة للحضارة العالمية وكبديل لنظرية صراع الحضارات التي تم الترويج لها بعد الحادي عشر من ايلول والتي تركز على الصراع بين الحضارتين الغربية والاسلامية. وهذه النظرية تجد من يحبذها لدى المحافظين الجدد في الادارة الاميركية رغم ان العالمين العربي والاسلامي دانا عملية الحادي عشر من ايلول التي استهدفت البرجين والبنتاغون. والمقصود هنا انه يمكن للاعلام اللبناني والعربي ان يسهم في تسليط الضوء على حوار الحضارات عبر الصيغة اللبنانية التي هي عنوان انفتاح الاديان على بعضها البعض. انما المهمة ليست سهلة ذلك ان تراجع فكرة الدولة وغلبة فكرة المحاصصات الطائفية تضعف فكرة الاعلام الموضوعي والوطني باعتبار ان المحاصصات تغذي فكرة المواطن في الطائفة على حساب المواطن في وطن. وهذه مسألة جدير بها ان تكون عنوانا لاهتمام مؤسسات المجتمع المدني واحزابه، ذلك ان التغيير الفعلي يأتي من هذا المكان وليس من غيره. وللأسف يلمس المراقب انه تحت عنوان مظلة احترام الطوائف يتم الآن التأسيس لنظرية المواطن في طائفة بحيث تكون تهديدا لعلاقات الطوائف في ما بينها وتهديدا لوحدة الطائفة نفسها. فالافضل هو ايجاد المعادلة التي تؤدي الى تجاوز المسألة الطائفية، وهنا دور النخبة الذي ما زال معطلا ان لم يكن ملحقا بقطار المحاصصات. بالتأكيد فان الوصول الى قانون انتخابي يحقق عدالة التمثيل هو المدخل الذي لا بد منه لتعزيز فكرة الدولة الجامعة".

وشدد على "أن يكون للمجلس الوطني للاعلام صلاحيات تقريرية، أي أن المطلوب تعديل قانون المرئي والمسموع وصدور قانون جديد ينظم الاعلان في لبنان وتستفيد منه كل المؤسسات المرئية والمسموعة. اضافة إلى ذلك لا بد من قانون عصري للأحزاب يحول دون قيام أحزاب طائفية أو فئوية أو تهدد وحدة الدولة والوحدة الوطنية".

ولفت الى ان "واقع الأمر، ثمة ضرورة أكيدة لاعادة الاعتبار للتلفزيون العام لاعتبارات لها علاقة بذاكرة اللبنانيين وبخطاب لا طوائفي بعيد عن ضغوط الاثارة الطائفية والاعلان التجاري ومتحرر من ضغوط أهل الحكم وخلافاتهم. كما أنه من المهم تخفيف الاعباء المالية عن المرئي والمسموع لصالح تشجيع الانتاج الوطني على صعيد الدراما والبرامج الثقافية"، مشيرا الى انه ينبغي الاعتراف بان اتفاق الطائف أوقف الحرب ولم يبن دولة المؤسسات ولم يستكمل حتى خطواته الناقصة. وهذا ما يفسر كيف بقي السلم الاهلي مهزوزا. والتجربة اثبتت وتثبت بان لبنان لا يمكن ان يحكم من طائفة ولا من تحالف طائفتين او ثلاثة. وان ما شكى منه مؤسسو دولة الاستقلال من علل الطوائفية السياسية ومن تسميمها لروح العلاقات بين الجماعات الروحية هو ما ينبغي ان ينصرف الى معالجته اللبنانيون والنخب تحديدا لوضع حد لتجديد النظام الطوائفي بحروب ترسي من وطننا مزارع سياسية طوائفية للخوف والغاء الآخر والانغلاق على الذات. بهذا المعنى فان دور الاعلام اساسي ومفصلي اذا ارتكز الى وظيفة البناء لا الهدم".