في الوقت الذي يستمرّ فيه التعثّر على خطّ التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، جرت الإستعانة بالمادة 22 من الدستور اللبناني(1)، لجهة طرح مسألة إنشاء مجلس للشيوخ على طاولة البحث، على أمل إحداث الخرق المنشود والتوصّل إلى تسوية شاملة. فهل يُمكن أن يُشكّل هذا الطرح حلاً مُساعدًا لأزمة ​قانون الإنتخابات​ النيابيّة، أم أنّه سيزيد من تعقيد الأمور؟.

حتى اللحظة، يبدو أنّ طرح إنشاء مجلس للشيوخ ضاعف المشاكل السياسيّة والطائفيّة القائمة، مع بروز خلافات مسيحيّة-درزيّة بشأن هويّة رئيس مجلس الشيوخ، وخلافات مسيحيّة-شيعيّة بشأن سُلطات هذا المجلس، علمًا أنّ المشاكل المُرتبطة بقانون ​الإنتخابات النيابية​ تفاقمت أخيرًا بسبب رفض أكثر من جهة سياسيّة المُوافقة على سلسلة من القوانين الإنتخابيّة المُقترحة والتي تجعل من صوت الناخب اللبناني المسيحي مُوازيًا لصوت شريكه في الوطن، أي الناخب اللبناني المُسلم، من حيث الأهمّية والتأثير على النتيجة النهائيّة، وتُطبّق بالتالي مبدأ المُناصفة الفعليّة كما ينصّ الدُستور(2)، خاصة على مُستوى إنتخاب نوّاب يتمتّعون بالدعم الفعلي من قاعدة شعبيّة ضُمن بيئتهم، وليسوا مجرّد شخصيّات مُعيّنة من قبل زعماء طوائف أخرى.

يُذكر أنّ المُطالبة المسيحيّة بأن يكون مجلس الشيوخ برئاسة شخصيّة مسيحيّة وتحديدًا من المذهب الأرثوذكسي، تنطلق من سببين إثنين، الأوّل أنّ المُسلمين يُسيطرون حاليًا على منصبي رئاسة مجلس النوّاب ورئاسة مجلس الوزراء، ما يَستوجب منح المسيحيّين منصب رئاسة مجلس الشيوخ إلى جانب منصب رئاسة الجُمهوريّة، إنطلاقًا من مفهوم المُساواة بين المسيحيّين والمُسلمين الوارد في الدُستور في إنتظار إلغاء الطائفيّة وفق خطّة مرحليّة. والسبب الثاني يتمثّل في أنّ عدد الناخبين من مذهب الروم الأرثوذكس بلغ بحسب أحدث إحصاءات (ومن دون إحتساب عدد الناخبين الأرمن الأرثوذكس) 255,734 ناخبًا، في مُقابل بلوغ عدد الناخبين من المذهب الدرزي 204,237 ناخبًا، ما يعني أنّ الأرثوذكس يحتلّون المرتبة الرابعة في الثقل الشعبي للمذاهب اللبنانيّة الأساسيّة، بعد كل من السُنّة والشيعة والمَوارنة على التوالي، ويجب بالتالي أن ينالوا رئاسة مجلس الشيوخ على أن يتنازلوا مثلاً عن منصب نيابة رئاسة الحكومة لصالح الدروز. في المُقابل، إنّ المُطالبة الدرزيّة برئاسة مجلس الشيوخ تنطلق من نظريّة تقول إنّ توافقًا شفهيًا بهذا المعنى حصل على هامش جلسات مُؤتمر الطائف صيف العام 1989، ومن نظريّة ثانية تقول إنّ مُقاربة منح هذا المنصب للدروز يجب أن تنطلق من دور المذهب الدرزي في نشأة لبنان وفي التأثير في الحياة السياسيّة، وليس من إحصاءات خاصة بعدد هذه الطائفة أو تلك.

وبالنسبة إلى الخلاف السياسي الذي برز بين بعض القادة المسيحيّين والشيعة، بشأن سُلطات مجلس الشيُوخ، فهي تنطلق من حرص مسيحي عكسه رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية باسيل خلال المُداولات الأخيرة، لجهة ألا يكون الهدف من إنشاء مجلس للشيوخ شكليًا، بل أن يكون دوره مُهمًّا، وتحديدًا في "القضايا المصيريّة"، كما جاء في الدُستور. في المُقابل، تمسّك رئيس "حركة أمل"، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بالسُلطات المَمنوحة للمجلس النيابي، وتحديدًا للطائفة الشيعيّة، باعتبار أنّ من غير المُمكن منح مجلس الشيُوخ سُلطات تشريعيّة أو صلاحيّات تصويت مُهمّة وتقريريّة مصيريّة إلا على حساب سحب جزء من هذه السُلطات والصلاحيّات من المجلس النيابي، وهذا ما لن يقبل به.

في الختام، لا بُدّ من التذكير أنّ البرلمان اللبناني في مرحلة ما قبل الإستقلال، كان أنشأ مجلسًا للشيوخ(3) بمُوجب الدستور اللبناني الصادر في 23 أيّار 1926، قبل أنّ يتم إلغاؤه بموجب القانون الدستوري الصادر في تشرين الأوّل من العام 1927، بايعاز من سُلطات الإنتداب في حينه، بحجّة أنّه يُعرقل الحياة البرلمانيّة. واليوم، وبعد نحو قرن كامل على ذلك، لا يبدو أنّ اللبنانيّين توصّلوا إلى مُستوى مُتقدّم من الحسّ الوطني ومن الوعي السياسي، لإنشاء مجلس شيوخ يشبه مثلاً من حيث الأهميّة والفعاليّة ​مجلس الشيوخ الأميركي​ الذي يُشكّل جزءًا لا يتجزأ من الكونغرس(4). والمُشكلة أنّ سُقوط إقتراح إنشاء مجلس للشيوخ على الأرجح، تجنّبًا لزيادة حجم الخلافات السياسيّة والطائفية المُتفاقمة، يعكس عجز اللبنانيّين عن تطوير نظامهم السياسيّ، بسبب تهرّب الكثير من القوى السياسيّة الداخليّة من تطبيق مبدأ المُناصفة الحقيقيّة بين المُسلمين والمسيحيّين، بحجج برّاقة تَتَملّق الوحدة الوطنيّة والعلمنة خارج القيد الطائفي، لكنّها تُخفي للأسف مُمارسات طائفيّة ومذهبيّة بحتة تهدف إلى الإستمرار بقضم حُقوق الطائفة المسيحيّة.

ناجي س. البستاني

1-تنصّ المادة 22 من الدُستور المُعدّل في الطائف على التالي: "مع إنتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحيّة وتنحصر صلاحيّاته في القضايا المصيريّة".

2-مِمّا جاء في المادة 23 من الدُستور: "... وإلى أن يضع مجلس النواب قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي، تُوزّع المقاعد النيابية وفقًا للقواعد الآتية: أ- بالتساوي بين المسيحيّين والمُسلمين ب- نسبيًا بين طوائف كل من الفئتين. ج- نسبيًا بين المناطق".

3-تألّف مجلس الشيوخ اللبناني قبل الإستقلال من 16 عُضوًا، 7 منهم يُعيّنهم رئيس الحكومة بعد إستطلاع رأي الوزراء و9 يُنتخبون، وذلك لولاية من 6 سنوات لم تكتمل بفعل إلغاء المجلس.

4-يتكوّن الكونغرس الأميركي من مجلسين تشريعيين، حيث ينقسم إلى مجلس شيوخ يضمّ 100 عُضو (عُضوان عن كل ولاية أميركيّة)، وإلى مجلس نوّاب يضمّ 435 عُضوًا (يختلف عدد النوّاب الذين يُمثّلون كل ولاية).