تكتسب ​الإنتخابات البرلمانية​ الجزائرية، المقررة يوم غد الخميس، أهمية بارزة، نظراً إلى التداعيات التي قد تترتب عليها، بعد أن إرتفعت في الأيام الماضية الأصوات المحذرة، لا سيما من جانب التيار الإسلامي، من عودة البلاد إلى أيام "العشرية السوداء"(1)، في حال ذهاب السلطة إلى خيار تزوير النتائج لصالح الأحزاب الموالية لها.

بالإضافة إلى ذلك، لهذا الإستحقاق طعم خاص لأسباب أخرى، أبرزها الصراع على السلطة بين الأحزاب الموالية للرئيس ​عبد العزيز بوتفليقة​، أي جبهة التحرير الوطني بقيادة ​جمال ولد عباس​ والتجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أحمد أويحيى، وسط تزايد الإشاعات حول وضعه الصحي في الآونة الأخيرة.

التيار الإسلامي

قبيل إنطلاق الحملات الإنتخابية، برز إنقسام لافت في صفوف قوى المعارضة بين تيارين: الأول يدعو إلى المقاطعة والثاني قرر المشاركة تحت عنوان "التغيير من الداخل"، لكن الخيار الأول يشكل الهاجس الرئيسي بالنسبة إلى السلطة التي جندت كل طاقتها لدفع الجزائريين إلى المشاركة في هذا الإستحقاق، عن طريق الترغيب في بعض الأحيان والترهيب في أحيان أخرى، في ظل إعتماد لغة "التخوين" ضد القوى الداعية إلى المقاطعة.

في هذا السياق، يبرز دور الأحزاب الإسلامية التي تخوض الإنتخابات ضمن تحالفين منفصلين، الأول يحمل إسم "الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء"، يضم حركة "النهضة" وجبهة "العدالة والتنمية" وحركة "البناء الوطني. والثاني هو عبارة عن تحالف انتخابي بين حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير التي إنشقت عنها في العام 2008، لكن هاجس التكتلين يبقى ذهاب السلطة إلى التزوير لتأمين فوز القوى الموالية لها، الأمر الذي يدفع الكثير من المراقبين إلى التقليل من فرص فوز التيار الإسلامي في هذا الإستحقاق.

بالتزامن، ظهرت مؤخّرًا تصاريح عن هذا التيار توحي بإمكانية الذهاب إلى التحالف مع الأحزاب الموالية بعد الإنتخابات، أبرزها تصريح لرئيس جبهة "التغيير" الإسلامية عبدالمجيد مناصرة، الذي أعلن أن هناك "جهات في السلطة نصحت الإسلاميين بالتحالف"، بالإضافة إلى إقتراح رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد المجيد مناصرة تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، وتسيير مرحلة انتقالية بالنظر لصعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وراثة بوتفليقة

في الجانب الآخر من هذا الإستحقاق، يبرز التنافس بين قوى الموالاة، لا سيما جبهة "التحرير الوطني" بقيادة جمال ولد عباس و"التجمع الوطني الديمقراطي" بقيادة أحمد أويحيى، الأمر الذي دفع بالرجلين إلى التركيز في حملاتهما على موقف رئيس الجمهورية من هذه الإنتخابات، حيث أكد ولد عباس في أكثر من مناسبة أن بو تفليقة هو رئيس الجبهة بينما أصر أويحيى على القول أن بو تفليقة هو رئيس كل الجزائريين.

ولهذا الصراع بين قوى المعارضة وجه آخر مرتبط بصورة غير مباشرة بالإنتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في العام 2019، نظراً إلى أن الوضع الصحي الصعب لبوتفليقة فتح مبكراً الحديث عن وراثته، خصوصاً بين أويحيى الذي يشغل أيضاً منصب مدير ديوان الرئاسة ورئيس الحكومة عبد الملك سلال المدعوم من "التحرير الوطني"، والأخير قرر القيام بالعديد من الجولات الإقتصادية والإجتماعية على الولايات خلال فترة الحملات الإنتخابية، بالرغم من أنه غير مرشح لها، بسبب تركيز أويحيى على إنتقاد الحكومة من هذه البوابة.

إنطلاقاً من ذلك، تقرأ الأوساط أن التنافس الحقيقي هو بين أحزاب السلطة، لأن من يفوز منها في الإستحقاق النيابي يكون قد وضع القدم الأولى على الطريق إلى الرئاسة، بانتظار معرفة التطورات التي سترافق الإنتخابات الرئاسية، لا سيما أن البلاد قد تكون مقبلة على الكثير من التحولات البارزة في الفترة الفاصلة.

سيناريوهات متعددة

إنطلاقاً من هذا الواقع، تُرسم في الأوساط الجزائرية العديد من السيناريوهات حول المستقبل، عنوانها الرئيسي هو المخاوف من إنجرار البلاد إلى المجهول على ضوء مسار الإنتخابات التشريعية، والهاجس الأكبر الذي يطفو على السطح هو الإتهامات المسبقة بالتزوير، بالرغم من وجود هيئة مستقلة لمراقبة الإنتخابات وحضور مراقبين من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية:

-السيناريو الأول يكمن في إعتراض القوى المعارضة على نتائج الإنتخابات في حال خسارتها، وبالتالي إنتقال الصراع من صناديق الإقتراع إلى الشارع.

-السيناريو الثاني يكمن في فوز خيار المقاطعة، الأمر الذي سيدفع الأحزاب الداعية له إلى وضع شرعية النظام القائم على بساط البحث.

-السيناريو الثالث يكمن في إجراء إنتخابات نزيهة وذات مصداقية تكون المحطة الأولى في عملية نقل البلاد إلى مرحلة جديدة من الحكم.

في المحصلة، جميع هذه السيناريوهات ينبغي أن تكون حاضرة لدى مختلف المتابعين يوم غد الخميس مع إنطلاق الإنتخابات البرلمانية، نظراً إلى أن الأوضاع ستكون مفتوحة على جميع الإحتمالات.

(1) إندلع صراع مسلح في الجزائر بين الجيش وفصائل إسلامية متشددة، على خلفية إلغاء نتائج الإنتخابات البرلمانية لعام 1991، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.