لا يمكن إعتبار حديث رئيسة المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي الكردي في سوريا هدية يوسف، عن أن الانتهاء من معارك تحرير مدينة الرقة سيُتبع بتحرك نحو مدينة إدلب، بجديد على الساحة السياسية الإقليمية، بل هو يأتي في سياق تصاعد المواقف الكردية التي تصب في هذه الإتجاه، بهدف الوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، نظراً إلى أن عدم تحقيق ذلك يعني أن الاقليم القائم في الشمال السوري سيكون تحت رحمة أنقرة بسبب غياب أي منفذ دولي آخر له، حيث أن الرهان على الحدود العراقية لن يكون في محله.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذا هو أساس الصراع بين الأتراك و​الأكراد​ في الشمال السوري، حيث أن الحكومة التركية لا مانع لديها من إقامة الأكراد إقليم خاص بهم في شمال البلاد، لكنها تريد له أن يكون تحت رحمتها على مستوى العلاقة مع العالم الخارجي، إلا أن رفض الأكراد هذا الأمر هو الذي يحول دون حصول أي تفاهم بين الجانبين، بالرغم من أن الإدارة الأميركية سعت إلى هذا الأمر في أكثر من مناسبة.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذا هو الواقع الذي يسيطر على العلاقة بين إقليم كردستان العراق والحكومة التركية، حيث تحول رئيس هذا الإقليم مسعود برزاني إلى أحد أهم حلفاء أنقرة بعد أن وافق على أن تكون الأراضي التركية هي بوابته إلى العالم الخارجي، ما يعني أن هذا الإقليم لا يمكن أن يخرج بأي شكل من الأشكال عن عباءة أنقرة، لأنه في هذه الحالة سيكون محاصراً.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه النقطة كانت السبب الرئيسي لدخول الجيش التركي المباشر إلى الأراضي السورية، عبر عملية "درع الفرات" التي قامت بها بعض فصائل المعارضة المسلحة التي تدور في فلك أنقرة، حيث توضح أن الهدف الأساسي كان فصل منطقة عفرين، التي هي على خارطة كردستان أقرب مدينة إلى البحر المتوسط، عن منطقتي كوباني والجزيرة، وتشير إلى أن تركيا نجحت في تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي دفع الأكراد إلى تقديم أوراق إعتمادهم إلى واشنطن وموسكو للمشاركة في عملية تحرير إدلب من سيطرة التنظيمات الإرهابية، لا سيما هيئة "تحرير الشام".

وتشير المصادر نفسها إلى أن الأكراد في سوريا يراهنون على دعم واشنطن لهم في هذا الهدف، بالإضافة إلى تنسيقهم القائم مع الحكومة الروسيّة في منطقة عفرين، حيث يعتبرون أن على الولايات المتحدة الموافقة على هذا الأمر بعد المساعدات التي قدّموها لها، إلا أنهم يدركون من جهة ثانية أن هذه الخطوة تحظى بمعارضة أنقرة، التي تسعى أيضاً للإستفادة من علاقاتها مع القوتين الكبيرتين للحؤول دون ذلك، ما يدفعها للحديث عن عمليّة عسكريّة باتجاه إدلب لقطع طريق البحر الأبيض المتوسط أمام الأكراد.

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر كرديّة، عبر "النشرة"، أن الحكومة التركية هي التي بادرت بالخطوات العدائيّة تجاههم، بعد أن كانت الإتصالات والمفاوضات قائمة بين الجانبين في السابق، وتشير إلى أن أنقرة هي المسؤولة عن وصول الأمور إلى ما هي عليه اليوم، نظراً إلى أنها لا ترغب برؤية الأكراد يحكمون مناطقهم ويستقلّون بقرارهم السياسي.

وفي حين تشدد هذه المصادر على أن الوصول إلى البحر أو إلى أي منفذ دولي هو حق مشروع لهم، تشير إلى أن تجربة إقليم كردستان العراق لن تتكرر في سوريا بأي شكل من الأشكال، حيث من غير الممكن موافقة الأكراد البقاء تحت رحمة الأتراك الذين يتعاملون معهم بعدائية، وتلفت إلى أن الولايات المتحدة، التي تعتبر الداعم الأول لقوات "سوريا الديمقراطية" ذات الغالبيّة الكرديّة، تدرك هذا الواقع جيداً.

في المحصلة، إنّ المنفذ البحري هو "الحلم" الكردي على طريق بناء إقليم مستقل في الشمال السوري، لكنه يصطدم بالكثير من المواقف المعارضة من الدول الإقليمية، لا سيما أنقرة ودمشق، ولكن هل تمنح واشنطن الأكراد ذلك جائزة على ما قدموه لها؟.