بين كلام وزير الطاقة سيزار أبي خليل المعسول بشأن خطة الكهرباء الجديدة من جهة، وسهام مُعارضي هذه الخطّة والمُشكّكين بجدواها وبنزاهة المُناقصات الخاصة بها من جهة أخرى، تناقض كبير! وفي الوسط يقف المُواطن اللبناني حائرًا وغير آبه بأيّ جدل أو تبرير، ولا يحمل سوى مَطلب حقّ يتمثّل في توفّر الطاقة الكهربائيّة في لبنان على مدار الساعة، من مصدر واحد، وبكلفة محصورة بفاتورة واحدة أيضًا، وبطاقة "فولطيّة" لا تتسبّب بإحتراق الأدوات الكهربائيّة في المَنزل! فهل هذه الخطة الجديدة لقطاع الكهرباء "إنقاذيّة" فعلاً، أم أنّها إستمرار لمُحاصصات وتقاسم مغانم ولسياسة مُعالجة أثبتت فشلها في السابق، على الرغم من كثرة المُحاولات المُتكرّرة التي جرت منذ إنتهاء الحرب قبل 27 عامًا؟.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّه وبغضّ النظر عن مدى دقّة الأرقام الخاصة بقطاع الكهرباء، الأكيد أنّه ساهم ويُساهم في زيادة ​الدين العام​، وفي رفع العجز في مُوازنة الدولة، علمًا أنّ تقارير ودراسات عدّة تذكر أنّ ملف الكهرباء يُشكّل نحو 35 مليار دولار من قيمة الدين العام للدولة اللبنانيّة، وما نسبته 40 % من عجز المُوازنة، وتتحدّث عن تحويلات بقيمة تزيد على ملياري دولار أميركي سنويًا من وزارة المال إلى مؤسّسة كهرباء لبنان. والشكوى الكبرى أنّ كل هذه الأموال صُرفت من دون مُعالجة هذا القطاع–ولوّ جزئيًا، الأمر الذي دفع كل من "البنك الدَولي" و"صندوق النقد الدَولي" وغيرهما من المؤسّسات الدَوليّة، إلى التدخّل أكثر من مرّة لدى المسؤولين اللبنانيّين لمُعالجة هذا الملفّ الشائك، مُحذّرين من عواقب ترك هذا القطاع الحيوي من دون مُعالجات جذريّة.

وبالعودة إلى خطةّ الوزير أبي خليل الجديدة(1)، والتي تُمثّل إمتدادًا لخطّة سلفه وزير الخارجية الحالي ​جبران باسيل​، فهي كانت عُرضة للكثير من الأخذ والردّ بسبب مآخذ العديد من القوى على الكثير من بنود هذه الخطة، الأمر الذي دفع تكتل "التغيير والإصلاح" إلى إعلان رفضه "ذرّ الرماد في العيون" و"النيل من سمعته". إشارة إلى أنّ المآخذ الأساسيّة من قبل المُعترضين تُختصر بالتالي:

أوّلاً: حصر التعاقد بشركات محدودة جدًا نتيجة تعمّد وضع بنود تمنع الشركات التي لا تُصنّع بواخر إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية بنفسها، من الدُخول في المُناقصة، الأمر الذي إستغربه خبراء في القطاع النفطي، حيث شبّهوا الأمر بحرمان شركة تُنظّم رحلات وسفرات سياحيّة من الدُخول في مُناقصة سياحيّة ما لم تكن تُصنّع بنفسها الطائرات والباصات التي تستخدمها في هذه الرحلات!.

ثانيًا: إشتراط أن تكون مُولّدات الطاقة الكهربائية أو "التوربينات" جديدة كليًا، الأمر الذي رأى فيه خبراء في القطاع النفطي شروطًا تعجيزيّة لا يجب أن تكون واردة في العقد، باعتبار أنّ الشركات التي تتقدّم إلى المُناقصات تتعهّد بتأمين الطاقة الكهربائيّة المطلوبة، مع تحمّل كل تبعات أي تقصير في هذا المجال، وبالتالي لا أهمّية لمحرّك جديد أو قديم طالما أنه يقوم بالمهمّة وفق الشروط المحدّدة.

ثالثًا: لم يتمّ إرفاق دفتر الشروط بالعقد النهائي الذي سيتم توقيعه مع الشركة الفائزة بالمُناقصة، علمًا أنّ هذا الإجراء يُمثّل شرطًا أساسيًا من أصول المُناقصات الدَوليّة الشفّافة والمفتوحة بشكل عادل أمام الجميع، الأمر الذي رأى فيه المُعترضون نوايا غير سليمة تهدف إلى تفصيل العقد النهائي على قياس شركة مُعيّنة، بشكل يطرح أكثر من علامة إستفهام بشأن ما جرى التوافق عليه من تحت الطاولة، لتقديم فرص وحُظوظ شركات على أخرى، في صفقات سياسيّة ومالية مشبوهة.

وعلى الرغم من رفض وزارة الطاقة وفريق عملها كل هذا الغبار الإعلامي الذي يُثار حول خطّة الكهرباء الجديدة، والتأكيد على قانونيّة كل الخطوات المُتخذة، فإنّ الأكيد أنّ مسار الخطة المذكورة لم يعد سالكًا، حيث من المُتوقّع أن يشهد الكثير من المَطبّات والعراقيل من أكثر من طرف وجهة، ولأكثر من غاية وهدف، علمًا أنّ هذا الموضوع حسّاس جدًا بالنسبة إلى الشعب اللبناني الذي يميل بسرعة إلى تصديق إتهامات الصفقات أكثر من تبريرات الوزراء المعنيّين، خصوصًا وأنّ أحدًا لم يفهم أسباب الإصرار على هدر المزيد من الأموال في إستئجار المزيد من بواخر توليد الطاقة بكلفة باهظة(2)، بدلاً من توظيف هذه الأموال في بناء معامل جديدة(3) حتى لو إستمر التقنين لمزيد من الوقت، باعتبار أنّ "من شرب النهر، لن يغصّ بالساقية"ّ!.

(1) تُركّز الخطة على زيادة ساعات التغذية عبر الإستعانة بمحطّات عائمة، وفتح الباب أمام القطاع الخاص للمُساعدة على إنتاج الكهرباء، وإستيراد الغاز الطبيعي لخفض كلفة تشغيل معامل الطاقة، واللجوء إلى أساليب جديدة لتوليد الطاقة من الرياح أو الشمس، إلخ. إضافة إلى تخفيف العبء المالي عن شركة كهرباء لبنان بالتزامن مع خفض قيمة الفاتورة الإجمالية للمواطن.

(2) لحظت الخطة إستئجار باخرتين بقدرة 825 "ميغاواط" وبكلفة إجمالية تصل إلى 850 مليون دولار أميركي سنويًا، على أن تُضافا إلى الباخرتين الحاليّتين بقدرة 370 "ميغاواط".

(3) بحسب خبراء الطاقة، بإمكان الدولة أن تبني معملاً لتوليد الطاقة بقُدرة 1500 "ميغاواط" بكلفة مليار و200 مليون دولار.