في الأيام الماضية، طرحت أسئلة حول سر إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب وافق على خطة لتسليح "وحدات حماية الشعب" الكردية، أي الجناح العسكري لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، في هذا التوقيت بالذات، أي خلال إستقبال واشنطن وفداً من الحكومة التركية للتحضير لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان المرتقبة في الأيام المقبلة، لا سيما أن ​الولايات المتحدة​ تدرك جيداً أن هذه الخطوة ستغضب أنقرة، في ظل تصنيف الأخيرة هذه الوحدات منظمات إرهابية لا فرق بينها وبين تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام".

في هذا السياق، تؤكد مصادر كردية، عبر "النشرة"، أن هذه الخطوة كانت منتظرة بعد التصعيد التركي الأخير بوجه الوحدات، عبر الغارات التي قامت بها داخل الأراضي السورية والعراقيّة، وتشير إلى أنها تأتي في إطار التحضير لمعركة تحرير مدينة الرقة من "داعش"، التي تعتمد فيها الولايات المتحدة بشكل رئيسي على "قوات سوريا الديمقراطية".

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه الخطوة هي ردّ من واشنطن على الأجواء التركية التي كانت توحي بأن الولايات المتحدة تخلت عن ​الأكراد​، من خلال غض النظر عن الضربات التي وجهت لهم، إلا أنها تؤكد بأن الإدارة الأميركية ليست في هذا الوارد بأي شكل من الأشكال، لا بل هي تشدد على أن الدعم حاضر بقوة وهو سيزداد أكثر في المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من أن الإعلان عن التسليح ترافق بالحديث عن تفويض "التحالف الدولي" لمكافحة الإرهاب "لواء المعتصم" التابع لـ"الجيش السوري الحر" بتسلّم وإدارة 11 منطقة في ريف حلب، سيطرت عليها قوات "سوريا الديمقراطية" بعد معارك ضد "الجيش الحر" والحديث عن تحضير أنقرة لعملية عسكرية جديدة في المنطقة، توضح هذه المصادر أن الضمانة في هذه المنطقة من المفترض أن تكون من الجانب الروسي المتواجد في عفرين، وتلفت إلى أن الضمانة الأميركية تشمل المناطق الواقعة في غرب الفرات.

على هذا الصعيد، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس لعبة إدارة التوازنات، فهي وإن أعلنت عن قرار هو ليس بجديد، أي تسليح "وحدات حماية الشعب"، كون هذا الأمر قائم من سنوات، حاولت أن ترضي الحكومة التركية عبر قرار الثاني، القاضي بتسليم "لواء المعتصم" 11 منطقة في ريف حلب، كونها في الأساس كانت تسعى إلى تقسيم مناطق النفوذ بين حلفائها إلى قسمين: الأكراد في غرب الفرات والأتراك في شرق الفرات، وتضيف: "في الأصل طلبت من الأكراد بعد تحرير مدينة منبج الإنسحاب إلى شرق الفرات من أجل التحضير لمعركة الرقة قبل أشهر عندما أبدت أنقرة إعتراضها".

بالنسبة إلى هذه المصادر، الرسالة الأميركية الأساسية تكمن بأن مشروع الفيدرالية الكردية القائم بأت أمراً واقعاً لا عودة عنه، وهي تريد أن تقول أنها تؤمن الحماية له عبر تقديم الأسلحة إلى أحد أبرز ركائزه، أي وحدات "حماية الشعب"، لا سيما أن اللحظة الإقليمية والدولية تبدو مناسبة من خلال تقدم مشروع المناطق الآمنة أو "مناطق تخفيف التصعيد"، كما ورد في الإقتراح الروسي المقدم إلى مؤتمر آستانة، وتضيف: "هذه هي النقطة الرئيسية التي ينبغي التوقف عندها، لا سيما أن تركيا لن تكون قادرة على الإستمرار برفع السقف في وجه الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية".

على صعيد متصل، تشدّد المصادر نفسها على أن واشنطن لن تقدم على التخلي لا عن الأكراد ولا عن الأتراك، بل على العكس من ذلك هي تريد الإستفادة من الجانبين معاً، وهي ترى بأن تقسيم النفوذ عبر خط واحد، هو نهر الفرات، وهو الحل الأمثل لمنع الصدام المباشر بينهما، خصوصاً أنها في السابق قامت بالعديد من الخطوات التي تحول دون ذلك.

في المحصلة، ما يمكن الإستناد إليه في قراءة الخطوة الأميركية هو أن مشروع الفيدرالية الكردية في الشمال السوري لا يزال هو حجر الأساس في مخطّط واشنطن، لا سيما بعد أن باتت تمتلك العديد من القواعد العسكرية ضمن حدودها.