"القصة مش قصة رمانة... القصة قصة سلّة بري". هكذا يمكن اختصار المشهد حالياً حيث المواجهة قائمة بشكل رسمي (وبات بشكل علني)، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ولو بصورة غير مباشرة، والساحة هذه المرة هي قانون الانتخاب. وبغض النظر عن الفترة الزمنية الذي سيأخذها الاتفاق على القانون، بعد ان اتفق الجميع على ان اقرار قانون جديد بات من الاساسيات ولا رجوع عنه، فإن "المعركة السياسية" انطلقت بين العهد ورئيس المجلس النيابي. العبارة الاوضح التي يمكن البناء عليها كتجسيد لهذا الواقع هو كلام وزير الخارجية جبران باسيل خلال العشاء السنوي لهيئة مؤسسة كهرباء لبنان، اذ قال: "ان هذا العهد باق في وجهكم ست سنوات...". وقد اعتبر الناس ان المشكلة هي في ملف الكهرباء، ولكن الحقيقة هي ان المشكلة في مكان آخر وتحديداً في قانون الانتخاب. الكهرباء هي اليوم الواجهة التي تخبىء المعركة الحقيقية الدائرة في ما خص الانتخابات، وغداً عندما يتم حل المسألة الكهربائية بطريقة او بأخرى، ستبرز ساحة اخرى للمنازلة تحت شعار موضوع سيظهر الى الواجهة بشكل مفاجىء.

الواقع ان جوهر المشكلة هي "سلّة رئيس مجلس النواب نبيه بري" التي طالب بها قبل السير بالانتخابات الرئاسية، ولكنه لم يلق تجاوباً من "التيار الوطني الحر" في حينها، ومن "تيار المستقبل" الذي دخل التسوية بشكل سريع. ومنذ ذلك الوقت، لا يهدأ بال بري لتحقيق بنود "السلّة" الشهيرة بالـ"مفرق" بدلاً من تحقيقها بالـ"جِملة"، فكان تأخير تشكيل الحكومة، وها هو التأخير في قانون الانتخاب يلقي بثقله. ومن المنصف القول ان التيار الوطني الحر لم يعمد من جهته الى اطفاء النيران، بل أجّجها باختياره سلوك مسار التصادم مع حركة "امل" ورئيسها وبالاخص في موضوع الانتخابات، وذلك تحت انظار تيار المستقبل وحزب الله كشاهدين يكتفيان بالتفرج ومحاولة حصر خسائر وتداعيات هذه المواجهة على الصعيد السياسي. صحيح ان الاتفاق على قانون جديد للانتخابات "يستأهل" حصول مواجهات ونقاشات وتأخير، ولكن لا يمكن لعاقل ان يصدّق ان اكثر من سبع سنوات لم تكن كافية لخوض كل المعارك الممكنة سياسياً للوصول الى صيغة واحدة يتفق عليها الجميع، تماماً كما انه كان من المنطقي والعقلاني ان ينتهي البحث في اي صيغة للقانون الجديد منذ تسلم الرئيس ميشال عون مهامه رسمياً. ولكن، المناكفات والخلافات التي فرضت نفسها، حالت دون ذلك، وهو أمر لا يطمئن ولا يبعث على الارتياح. وفي حين أن الايقاع الامني والعسكري مضبوط وفق الساعة الدولية، فإن الايقاع السياسي لم يجد ضابطه بعد، ما يبشر بفترة مليئة بـ"المطبّات" السياسيّة ستمتد لست سنوات، مع انفراجات مرحليّة لفترات معينة عندما يتم الالتقاء على مشاريع تحظى باتفاق مشترك. ومع التأكيد على عودة بري الى رئاسة المجلس أيًّا يكن شكل القانون وهوية النواب الجدد، فإن ما قاله الوزير باسيل هو صورة عن حقيقة ما ينتظرنا سياسياً، وعليه فإن كل مشروع وموضوع سيشكل ساحة "كباش" جديدة لكل من بري وعون بواسطة شخصيات يختارونها لخوض الصراع عنهما.

ست سنوات هي الفترة التي لن تشهد فترة سماح بين رجلين لم تتفاعل الكيمياء بينهما الا سلباً، وهي انتقلت ايضاً الى من يليهما على الساحة السياسية، مع الاخذ في الاعتبار ان موازين القوى متكافئة في ظل "النأي عن النفس" الذي يقوم به حزب الله، والانضمام الحالي لتيار المستقبل الى التيار الوطني الحر.

معارك كثيرة ستخاض، وستشهد فوز وخسارة فريق من الاثنين، انما الحرب لا تزال بعيدة عن ان تنتهي، وهوية الفائز بها ستبقى مصدر شك وتأويل الى ان تنتهي الولاية الرئاسيّة، وتحدد هويّة الرئيس الجديد، وربما هويّة رئيس المجلس النيابي الجديد.