واضح أنّ حركة الاتصالات نشطة على خطّ المرجعيات والقوى السياسية في لبنان، بحثاً عن صيغة انتخابية لا تكسر أحداً، ربما لأن الجميع بدأ يدرك استحالة حصول توافق على صيغة خالية من النسبية الكاملة.

ولأن النسبية لا تعطي أياً من الأفرقاء أكثر مما يستحق، فإن العودة إلى مربّعها ليس عن سبق اقتناع، بل نتيجة الانسداد الكبير الذي يضع لبنان على حافة الهاوية.

للإنصاف، فإنّ هناك قوى كانت تحرص منذ الأساس على ضرورة الوصول إلى قانون جديد للانتخابات قائم على النسبية الكاملة، لكن الذي وقف حائلاً ومانعاً، هو اللجوء إلى منطق المحاصصة الذي هو من طبيعة النظام الطائفي.

النسبية الكاملة لا تُحرج أياً من القوى السياسية، ففي أرشيف معظم القوى دعوات إلى اعتماد النسبية، وإنْ كانت تستبطن قناعة بعدم الوصول إليها. أمّا وأنّ الاتصالات تشي بأنها قد تصبح اتجاهاً توافقياً، فلن يشعر أيّ فريق بأنّها فرضت عليه فرضاً، وإنْ كان الحذر يظلّ قائماً من شيطان التفاصيل الذي يتكفل بتعطيل مفاعيل النسبية الكاملة، بموادّ تؤخذ من الصيّغ الموؤودة، كالصوت التفضيلي الذي يحقق تلقائياً صيغة التأهيل الطائفي. وهذا يشكل طعناً للنسبية، لعدالة التمثيل ويحدث تفاوتاً هائلاً بين الواصلين إلى الندوة البرلمانية إنْ في عدد الأصوات، أو في وحدة المعيار وبالتالي فإنه يغذّي العوامل الطائفية والمذهبية، على حساب البرامج التي تهدف إلى ترقية الحياة السياسية ووضع الخطط والمشاريع الإصلاحية على المستويات كافة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية.

معظم القوى استنفدت كلّ ما لديها من صيغ التشظية، ووصلت الحائط المسدود، ولم يعد أمامها من خيار سوى التوافق على قانون جديد قائم على النسبية بلا منغّصات، مع عدم انتفاء فرضية إفشال الاتصالات بفعل فاعل متضرّر، يسعى إما إلى تفخيخ النسبية وإما إلى تأبيد قانون الستين أو الفراغ.

وعليه، فإذا كانت القوى السياسية جادّة في الوصول الى قانون يعتمد النسبية الكاملة، فهذا يشكل نقطة انطلاق لبناء دولة المواطنة. والنسبية لا تكون مجدية وطنياً إلا عندما تتلازم مع لبنان دائرة واحدة ومن خارج القيد الطائفي. وهذا هو طريق التغيير والإصلاح والبناء فلا تضيّعوا الفرصة.