منذ الإعلان عن فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، راهن الكثيرون على تبدل في السياسة الخارجية الأميركية في النظرة إلى الملف السوري، خصوصاً بعد أن أظهر المرشح الجمهوري في مرحلة الحملة الإنتخابية ميلاً نحو التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن ما هي إلا فترة قصيرة حتى عاد التوتر بين واشنطن وموسكو، لدرجة باتت "العدائية" هي السمى الأبرز لنظرة بعض القيادات في ​الولايات المتحدة​ إلى العلاقة مع الحكومة الروسية.

على الصعيد السوري، لا يمكن وضع الضربة الجوية الأخيرة، التي إستهدفت نقطة عسكرية على طريق التنف في البادية، إلا في السياق نفسه التي جاءت فيه الغارات على مواقع للجيش قبل أشهر في ​دير الزور​، بعد أقل من 24 ساعة على الخلاف بين واشنطن وموسكو داخل مجلس الأمن الدولي بشأن ترتيبات الهدنة في سوريا في ذلك الحين، في وقت كان فيه تنظيم "داعش" الإرهابي يشن هجوماً واسعاً على تلك المواقع.

في الحالتين تبرز محافظة دير الزور، هذا ما تؤكد عليه مصادر متابعة لـ"النشرة"، حيث تشير إلى أن الحكومة الأميركية وضعت هذه المحافظة على رأس قائمة أولوياتها بعد أن نجحت في فرض أمر واقع على الأرض في الشمال والشرق السوري، من خلال "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية، وتلفت إلى أن الأهمية التي تكتسبها هذه المحافظة تكمن من خلال قدرتها على الربط بين كل من العراق والأردن وسوريا.

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن إغفال الصراع على السيطرة على الحدود السورية العراقية بين المحورين المتنافسين، تحت عنوان الحرب على الإرهاب الذي يمثله "داعش"، فاليوم بات من الضروري إطلاق حملة وراثة هذا التنظيم في هذه الرقعة الجغرافية، لكن الأولويات والمصالح الإستراتيجية تطغى على أي أمر آخر، حيث واشنطن تريد من خلال هذه المعركة، عبر حلفائها المحليين، قطع الطريق على إمكانية الربط بين طهران وبغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت، في حين أن المحور المقابل أطلق، في الفترة الأخيرة، معركته هذه من أجل ضمان السيطرة على هذا الطريق، نظراً إلى أهميته في المواجهة التي يخوضها، لدرجة يعتبر فيها أن الفشل في تحقيق هذا الهدف خسارة لا يمكن تعويضها بأي شكل من الأشكال.

من هذا المطلق، يمكن القول أن الولايات المتحدة، من خلال الغارتين المنفصلتين من حيث التوقيت، ترسم خطوطها الحمراء على الساحتين السورية والعراقية في مرحلة ما بعد الإنتهاء من "داعش"، فأولوية القضاء على التنظيم الإرهابي أو تحجيم دوره إلى حد بعيد لا تلغي أهمية تحقيق الإنتصار على المحور الروسي السوري الإيراني، بهدف إضعاف دوره على مستوى المنطقة والعالم، الأمر الذي يحتم تأجيج هذا الصراع في المرحلة المقبلة لحد من الممكن أن يتكرر معه الإشتباك الذي حصل في البادية وقبل ذلك في دير الزور.

في السياق ذاته، تنظر المصادر نفسها إلى القمة الأميركية العربية الإسلامية، التي ستعقد في الرياض في 21 الشهر الجاري، حيث تشير إلى أن التسريبات الصادرة عن بعض المشاركين في هذه القمة تتحدث عن تبدل في أسلوب العمل في المرحلة التي ستليها، بينما ذهب البعض الآخر إلى الحديث عن تشكيل حلف "ناتو" عربي إسلامي بقيادة واشنطن، يضع الصراع مع طهران على رأس قائمة أهدافه، لكنه في المقابل يخدم المصالح الأميركية في تحجيم دور موسكو التي إستفادت من الحرب السورية من أجل العودة بقوة إلى الساحة الدولية.

في المحصلة، دخلت الحرب السورية مرحلة حساسة مع إشتداد الصراع للسيطرة على الحدود العراقية السورية، لكن العمل في هذه الرقعة الجغرافية لم يبدأ من اليوم، فواشنطن كانت قد أطلقت أول عملية عسكرية في هذه المنطقة في شهر حزيران من العام 2016.