على الأرجح، لم يكن رئيس حزب "الكتائب" النائب ​سامي الجميل​ مخطئًا، حين استعار من المجتمع المدني مقولة "كلّن يعني كلّن"، ليجزم أنّ كلّ الأفرقاء يريدون العودة ل​قانون الستين​، وإن لم يبوحوا بذلك حتى اللحظة، بمن فيهم أولئك الذين رجموا هذا القانون، ونعوه، ودفنوه تحت التراب، فإذا بهم اليوم يعيدون إحياءه، ولو تدريجيًا.

قد تكون مصلحة النائب الجميل، من موقعه المعارض، أن يقول مثل هذا الكلام، ويصوّب من خلاله على مَن يهدّدونه بمقعده النيابيّ مِن أركان السّلطة، ولكن، هل يتكلم الجميل من فراغ، أم بناءً على معطيات ووقائع حسية؟ وهل اقتربت "المسرحية" من النهاية؟

تفاؤل غير مفهوم...

خلال الأيام القليلة الماضية، عمّت عدوى "التفاؤل" القيادات السياسية في البلاد من دون أيّ تفسير، رغم أنّ كلّ المعطيات كانت قد أوحت بأنّ اللقاء المُعلَن الأخير الذي جرى في عين التينة يوم الأحد الماضي كان أكثر من سلبيّ، بدليل أنّ "شبه قطيعة" حصلت من بعده، بل ساد خطابٌ تصعيديٌ، بدأ مع إعلان سحب مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري من التداول، ولم ينتهِ مع بدء البحث، في العلن، بسيناريوهات ما بعد "الفراغ"، إن حصل، وجلّها تهويليّ.

هذه السلبيّة لم تحُل دون إبقاء الأفرقاء السياسيّين على "التفاؤل"، من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الذي كرّر ثابتة أنّ عدم إقرار قانون انتخاب جديد للانتخاب يعني أنّ حكومته فاشلة، فوزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ الذي طمأن، قبل عشرة أيام من انتهاء العقد العادي الأخير للمجلس النيابي، ونحو شهر على انتهاء الولاية الممدّدة للمجلس النيابي، إلى أنه لا يزال لدينا "متسع من الوقت"، وصولاً إلى وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ الذي جزم بأنّ قانون انتخاب جديدًا سيُعتمَد، ولو بعد حين.

أما "المفارقة"، فكانت أنّ موجة "التفاؤل" هذه لم تترافق مع أيّ "تنازلٍ" من قبل أيّ من الأفرقاء يمكن البناء عليه، بل إنّ ما حصل خلال الساعات الماضية لم يكن سوى المزيد من التعنّت، فالتوافق على النسبيّة، الذي اعتبرته كتلة "الوفاء للمقاومة"، مؤشراً إيجابياً، بقي محصورًا، في ظلّ الخلاف المستفحل على الدوائر وحجمها وشكلها، فيما كان لافتاً إصرار "التيار الوطني الحر" على أنّ القانون "التأهيلي" لا يزال على الطاولة، بل إنّه الشيء الوحيد المتوفّر في الوقت الحاليّ، وهو ما تزامن مع دعواتٍ مضمرة وجّهها الثنائي المسيحيّ لـ"حزب الله" للضغط على حركة "أمل" لإبداء بعض المرونة.

التمديد أو الستّين...

بين التفاؤل غير المفهوم، والسلبيّة المفرطة في التعاطي، يبدو أنّ الثابت هو أنّ التوصّل إلى قانون انتخاب جديد أصبح "شبه مستحيل" في المهلة المتبقية، ولو اعتبر الوزير نهاد المشنوق أنّ فيها "متّسعاً من الوقت"، خصوصًا أنّ هذا الوقت لا يُقارَن بذلك الذي أضاعه السياسيون طيلة ثماني سنواتٍ من دون أن يتكبّدوا عناء البحث الجدّي بالقانون.

ويكاد كلّ العارفين بالشأن الانتخابي يجمعون على أنّ التوافق قد تمّ على استعادة قانون الستّين من سلّة المهملات وإجراء الانتخابات النيابية بموجبه، بل إنّ البحث محصورٌ حاليًا بإيجاد المخارج القانونية والأخلاقيّة الكفيلة بذلك، والتي يبدو أنّها ستقوم على مبدأ "إما التمديد وإما الستّين"، خصوصًا بعد أن بات مسلّمًا به بأنّ الفراغ ليس خيارًا واردًا، ليس فقط بموجب "فتوى تصريف الأعمال" التي قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّها باتت "في الجيب"، بل لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليس بهذا الوارد، وقد لوّح غير مرّة بأنّ الدستور واضحٌ في التعامل مع مثل هذا الوضع.

ولأنّ التمديد يبقى الخيار "الأمرّ" بين خيارات كلّها "مرّ"، كونه يشكّل "انتكاسة للعهد" كما أنه يفتقد للميثاقية المطلوبة، فإنّ كلّ المعطيات توحي بأننا ذاهبون إلى قانون الستين، الذي يشكّل هو الآخر "انتكاسة للعهد"، إلا أنّ المعنيّين يعتقدون أنّها أقلّ وقعًا إذا لم تُستخدَم إلا بعد استنفاد كلّ الخيارات والوصول إلى الحائط المسدود، بمعنى أنّ إعلان القرار بهذا الشأن سيُترَك حتى اللحظة الأخيرة، بعد أن تُفتَح دورة استثنائية، ويعجز السياسيون عن الاستفادة منها في سبيل تحقيق التوافق المنشود، فيكون الرئيس عون قد استخدم كلّ صلاحيّاته ولم يوفّر أياً منه، لكن لم يعد باليد حيلة.

وإذا كان هناك في السلطة من يدعو إلى تعديلاتٍ طفيفة على الستّين، فقط من أجل تغيير اسمه لحفظ ماء الوجه، لا أكثر ولا أقلّ، يبقى اللافت على هذا الصعيد أنّ "السيناريو" بات شبه مرسومٍ بحذافيره، بل إنّ مواعيد الانتخابات بموجب الستّين قد حُدّدت وتمّ تداولها بكثرة في اليومين الماضيين، حيث قيل أنّ الانتخابات ستجري في السابع عشر من أيلول، على أن تتمّ دعوة الهيئات الناخبة في 20 حزيران، أي بعد انتهاء ولاية المجلس الممدّدة.

"التمثيلية" انتهت...

منذ انتخابات العام 2009، والسلطة السياسية تتخبّط. تغيير قانون الانتخاب كان "ذريعة" للتمديد للمجلس النيابي، لأنّ انتخاباتٍ وفق الستّين ليست سوى "تمديد مقنّع"، كما قال الكثير ممّن بدأوا اليوم يعدّون العدّة لانتخابات وفق هذا القانون.

إلا أنّ "التمثيلية" أوشكت على النهاية، والأمر حُسِم على ما يبدو، ليبقى السؤال: من يحاسب هذه السلطة التي تستسهل كلّ شيء؟ من يحاسب هذه السلطة التي لا تنفّذ شيئًا من تعهّداتها؟ من يحاسب هذه السلطة التي لا حَرَج لديها في "خداع" المواطنين لسنواتٍ بسنواتٍ، ثمّ التراجع وكأنّ شيئاً لم يكن؟.