سأل البطريرك الماروني بشارة الراعي كيف يمكن القبول بأن تحصر القوى السياسيّة في البرلمان والحكومة والكتل كلّ همّها بإنتاج قانون جديد للانتخابات، وهي تحاول ذلك، من دون جدوى ودلائل، منذ اثنتَي عشرة سنة، وتهمل كلّ هذه الحاجات التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون، والتي تقوّض أسس السلام الداخلي والاستقرار السلمي، فيما المنطقة المحيطة بنا تشتعل فيها نار الحروب والنزاعات، وتتزايد فيها تجارة الأسلحة والتسلّح، وما زالت تعيش على فوهة بركان متأجّج، ونخشى الأعظم، إذ تغيب الأصوات الداعية إلى إيقاف الحروب، وإلى إيجاد الحلول السلمية، وإلى العمل الجدّي من أجل إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإعادة جميع اللاجئين والنازحين والمشرّدين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، ولبنان يرزح تحت ثقلهم الأعظم، والمهدِّد له في كيانه واقتصاده وصيغته وحضارته وسياسته وأمنه.

واشار الراعي في عظة الاحد، الى إنّي أتوجَّه بشكل خاصّ إلى المسؤولين عندنا في الدولة أكانوا في العمل السياسي عامّة أم في البرلمان أم في الحكومة أم في الإدارات العامّة أم في القضاء. فأقول لهم: الشعب غير مطمئنّ ويعيش في حالة اضطراب ويخاف على مستقبله. إنّه بحاجة إلى سلام سياسي، وسلام اقتصادي، وسلام غذائي، وسلام أمني. يحتاج المواطن إلى سلام من خلال وظيفة عمل يؤمِّن له ولعائلته ولأولاده معيشة كريمة ومستقبلًا مضمونًا؛ ويحتاج إلى عدالة غير مسيَّسة وغير مقيَّدة برشوات، بحيث تعطيه حقَّه وترفع عنه الظلم؛ ويحتاج إلى سلام تؤمّنه له وتحميه إدارات الدولة بصدق وعودها والتزامها بها، فلا تخدعه، كما فعلت على سبيل المثال مع مزارعي التفاح. وما القول عن سلسلة الرتب والرواتب، ومطالب العمّال، ومساعدة الأهالي الذين اختاروا تعليم أولادهم في مدارس خاصّة، مثلما تساعد الذين اختاروا المدرسة الرسمية؟ هذا السلام مطلوب من الجماعة السياسية عندنا.

وتابع الراعي قائلا: "أجل، يحتاج المواطنون اللّبنانيّون إلى سلام اقتصادي اجتماعي معيشي، وقد ارتفعت نسبة الفقراء فيه إلى 32 %، ونسبة العاطلين عن العمل إلى 25 %، وارتفع الانفاق السنوي العام إلى مليار دولار أميركي بسبب الازدياد الضخم في الطلب على الخدمات العامّة. وانخفض معدَّل النموّ في ما ينتج عنه من خسائر على مستوى الأجور والأرباح والواردات الضريبيّة والاستهلاك والاستثمار. وارتفعت نسبة مستخدمي برامج وزارة الشؤون الاجتماعيّة إلى 40 %. هذا فضلًا عن الطلبات الإضافيّة التي ترهق قطاع المياه والصرف الصحّي والكهرباء، وقطاع الطرقات العامّة. وهذا كلّه بسبب ازدياد مليونَي نسمة على سكّان لبنان الأربعة ملايين، من بينهم حاليًّا مليون ونصف نازح سوري مع ازدياد سنوي بعشرات آلاف الولادات الجديدة، ونصف مليون لاجئ فلسطيني. وبنتيجة ذلك بات اللبناني يعاني من انتزاع اللّقمة من فمه وفم أولاده، ومن تلوّث المياه، وانتشار الفيروس والأوبئة".

ولفت الى انه كم تؤلمنا وسائر اللبنانيين ضحايا السير التي تسقط بتواتر، وكان آخرها الاب ميلاد تنوري، من الرهبانية اللبنانية المارونية، والمرشد الروحي في مستشفى سيدة المعونات جبيل. اننا اذا نعزّي الرهبانية الجليلة واهالي الضحايا، نناشد السائقين الانتباه والتقيّد بتعليمات وزارة الداخلية والجهزة التابعة لها، منعًا لحدوث مثل هذه المآسي التي لا تعوّض.