في وقت اجتمع العالم في الرياض لتهديد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت إيران على الضفة الثانية من الخليج قد أجرت انتخاباتها بروح حضارية. حصدت نتائج مبهرة سواء بالنتيجة المباشرة (فوز الشيخ حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية في إيران بـ 23.5 مليون صوت بنسبة 57 في المئة) أو بحجم المشاركة (أكثر من 71 في المئة) أو بالحيوية الداخلية أو على مستوى الخطاب الاقتصادي التنموي الاجتماعي وطموحات الشباب الإيراني.

يقول الإيرانيون إنّ الرابح الأول في الانتخابات تمثل بالمشاركة الكثيفة والاحتكام إلى مرجعية صناديق الاقتراع، وهذا دليل على حيوية النظام وتطوّر الثقافة السياسية في تعزيز الديمقراطية الإيرانية.

بعد تجربة حوادث انتخابات 2009 (اتهام الحكومة آنذاك بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي أدّت إلى فوز محمود أحمدي نجاد) والأزمات التي تعصف في المنطقة منذ العام 2011، بات الشعب الإيراني، بحسب ما يؤكد مصدر مطلع على الملف الإيراني لـ"البناء"، يدرك أنّ الطريق الأفضل للوصول إلى التغيير هو الاقتراع الكثيف في الانتخابات، لتجنّب العنف والأعمال العسكرية، رفض الانقلابات، تأكيد العملية السياسية، حلّ الخلافات بالطرق السلمية. بات الإيرانيون يتطلعون إلى الاستقرار والأمن والرخاء.

يُنظر في الجمهورية الإسلامية إلى انتصار روحاني على أنه انتصار للاعتدال على التشدّد، يؤكد المصدر. فنسبة الأصوات التي حصل عليها في هذه الدورة (57 في المئة) ارتفعت مقارنة مع الدورة السابقة (51 في المئة). وهذا ينعكس ارتفاعاً في شعبيته رغم المشاكل والضغوط التي يتعرّض لها.

كان روحاني الفائز الأول في عدد الأصوات ببعض الأرياف ما يؤشر إلى أنّ الهوة تقلّصت بين المدن والأرياف التي كانت تحشد أصواتها للمحافظين.

يريد الإيرانيون التطبيع (NORMALISATION) ويرفضون العودة إلى حقبة الأزمات. فسياسة الرئيس السابق أحمدي نجاد لا تزال ماثلة أمام أعينهم. لذلك لم ينجرّوا إلى وعود "سادن" العتبة الرضوية المقدسة إبراهيم رئيسي والجنرال محمد باقر قاليباف. فوعودهما بالدعم المالي الشهري والتقديمات الاقتصادية لم تلقَ آذاناً صاغية، يقول المصدر نفسه. فالشعب يرفض Popularity أحمدي نجاد. وعوده ووعود السيد المعمّم ورئيس بلدية طهران قد تدفع بإيران إلى الهاوية، فازدياد الدعم الذي وعدوا به سيضاعف التضخم، علماً أنّ نسبة التضخم تجاوزت الـ 40% في حقبة نجاد فضلاً عمّا حُكي عن صفقات بيع النفط خلال ولايته. في حين أنّ روحاني خفّض نسبة التضخم إلى 8 في المئة. شرّع الاستثمارات الأجنبية. رفع أكثر من 92 حظراً كان مفروضاً على إيران ما قبل الاتفاق النووي. حقق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة للشعب.

من وجهة نظر المصدر نفسه، إيران قد تصل الازدهار في ظلّ حكومة الشيخ الإصلاحي. للمفارقة أنّ داعمي روحاني ليسوا فقط من الإصلاحيين إنما من المحافظين المعتدلين، وعلى سبيل المثال رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني من موقعه كان ولا يزال من داعمي حكومة الرئيس المنتخَب، رغم أنه لم يدلِ بأيّ تصريح خلال السباق الانتخابي يصنّفه في خانة إصلاحيين أو محافظين.

عبّر الإيرانيون، بحسب المصدر، عن رفضهم للأصوليين. انكبّوا طوابير تأييداً لروحاني، لمنع وصول رئيسي، فمع وصول الأخير سيعود ممثل قائد الثورة في المجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي والمتشدّدون وما لذلك من انعكاسات سلبية على سياسة الانفتاح والخطط الثقافية والاجتماعية لصالح السياسات التصادمية. والدليل على ذلك وفق المصدر، أنّ المدبّر الرئيس للهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في العام 2016 كان يقود الحملة الانتخابية لقاليباف ومن أقربائه.

يبقى أنّ حكومة روحاني أمامها فرص وتحديات. فرص تتمثل بارتفاع مؤيّديه. الأمر الذي يملي عليه الاستفادة من الحاضنة الشعبية والتطلع إلى طموحات هذه النخبة والعمل بحزم من دون مسايرة لإقالة بعض الوزراء على غرار وزراء العمل والعدل والصناعة، لا سيما أنّ هناك الكثير من الأكفاء الإصلاحيين يملكون رؤية تنموية اقتصادية تحاكي المستقبل، يشدد المصدر نفسه. أما التحديات فتكمن في وحدة الإصوليين المتشدّدين. فهؤلاء سيضغطون على روحاني وسيبدأون العمل للانتخابات المقبلة لا سيما أنّ الفارق مع رئيسي كان 8 ملايين صوت. في حين أن التحدّي الأخطر يتمثل بسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة. فبعد ساعات على فوز الرئيس روحاني، قال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في القمة الأميركية الخليجية في الرياض "النظام الإيراني وحزب الله والحوثيون وداعش والقاعدة متشابهون. وهذا النظام الإيراني يشكل رأس حربة للإرهاب منذ ثورة الخميني وحتى اليوم ونؤكد عزمنا القضاء على داعش وكلّ التنظيمات الإرهابية".

وبينما تحلم الرياض بضرب طهران وليّ أذرعها، فإنّ الجمهورية الإسلامية أعطت بانتخاباتها رسالة مزدوجة، أكدت فيها صلابة نظامها السياسي واليد الممدودة الأخرى. فالرئيس روحاني في خطاب فوزه أكد أنّ الحرس الثوري سيساعد على تعزيز الأمن، وفي الوقت نفسه تريد طهران توسيع علاقاتها مع العالم كله. هذا يثبت أنّ روحاني معتدل حيث يقتضي، ويستند إلى قوة عسكرية أثنى عليها بعد الانتخابات مباشرة، حين تمسّ الحاجة إليها، رغم أنه في إحدى مناظرته دعا الحرس الثوري إلى التنسيق مع الحكومة، فالتعاون من شأنه أن يساعد إيران على مواجهة سياسة ترامب.