منذ بداية بروز نجم التنظيمات المتطرفة على مستوى المنطقة، مع إشتداد الأزمتين السورية والعراقية، سعت إسرائيل إلى الإستفادة منها إلى أبعد حدود، عبر التسويق لنفسها بوصفها دولة تعمل على محاربة الإرهاب، بالرغم من كل التقارير التي تحدثت عن تعاونها مع بعض هذه المنظمات الناشطة على حدودها، لا سيما جبهة "النصرة"، أي الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، من خلال تقديم المساعدات اللوجستية لها، بالإضافة إلى معالجة جرحاها في المستشفيات الإسرائيلية.

في شهر كانون الأول من العام 2014، برز كلام لوزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري عن تبلغه باستعداد دول عربية للتعاون مع إسرائيل في محاربة "الإرهاب"، استتبع بكلام نقلته وكالة "رويترز" العالمية، عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، حول السعي الإسرائيلي الى التعاون مع الجيش اللبناني في محاربة المتشددين، ولو عبر وسطاء، بالرغم من أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون كان قد كشف، في الفترة نفسها، في تقرير له عن الأوضاع في منطقة الجولان، عن تنسيق يحصل بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين هناك، بمن فيهم المحسوبون على تنظيم "القاعدة".

إنطلاقاً من ذلك، يجب قراءة التحولات التي طغت على ​القمة العربية الإسلامية الأميركية​ التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، خصوصاً بالنسبة إلى التصنيف السياسي الذي عبر عنه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لحركات المقاومة في المنطقة، أي حركة "حماس" و"حزب الله"، حيث وضعهما في الخانة نفسها مع "داعش" و"القاعدة"، بحضور ما يقارب 50 من قادة الدول العربية والإسلامية الذين لم يحركوا ساكناً، في حين أن تل أبيب هي المستفيد الأول من هذا الأمر، لا سيما أنه جاء في سياق مسار مستمر منذ سنوات، باتت فيه الحركة والحزب الحاضر الأبرز على قوائم الإرهاب الإقليمية.

في الآونة الأخيرة، كثُر الحديث عن إمكانية إنشاء تحالف جديد في المنطقة، برعاية واشنطن، يضم إسرائيل وبعض الدول العربية والإسلامية، لكن هذا الأمر، من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، يبدو مستبعداً من الناحية العملية، خصوصاً أن أغلب تلك الدول لا تجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوة علناً، بالرغم من تحويرها بوصلة الصراع من تل أبيب إلى طهران، لكن الأكيد أن إسرائيل حققت ما كانت تطمح له، وهو تصنيف حركات المقاومة منظمات إرهابية من قبل حشد دولي وإقليمي كبير جداً، ما يعني تقديم المبررات لأي عدوان من الممكن أن تقوم به سواء كان ذلك في فلسطين أو في لبنان.

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن أن تخرج بعض الدول العربية والإسلامية، في المستقبل القريب أو بعيد، للمطالبة بإدانة إسرائيل بسبب أي حرب تشنها في لبنان أو قطاع غزة، فهي تقوم بمحاربة "الإرهاب" كما تفعل معظم دول العالم وحصلت على الغطاء الشرعي لذلك من خلال التصنيفات التي قدمها لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة الرياض، لا بل من الممكن أن تطلب تقديم المساعدة عن طريق تشكيل تحالف دولي أو إقليمي لتحقيق هذه الغاية، كما يحصل اليوم في سوريا والعراق لمكافحة "داعش" و"النصرة".

على هذا الصعيد، تؤكد المصادر نفسها بأن الحملة القائمة على حركات المقاومة، خصوصاً "حزب الله"، ليست بالجديدة على الإطلاق، حيث برزت أولى معالمها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، في شهر تموز من العام 2006، عندما وصفت العملية التي قام بها الحزب بـ"المغامرة"، لتستكمل بتوجيه أصابع الإتهام له بجريمة إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، ومن ثم إطلاق أكبر حملة إعلامية هدفها النيل من سمعته في العالمين العربي والإسلامي، ما يعني أن الحرب السوريّة، التي يشارك الحزب فيها بشكل قوي، لم تكن إلا "محطة" في سياق رحلة طويلة، إلا أن معالم المواجهة باتت مباشرة في عصر تأسيس التحالفات العسكرية الإقليمية لمحاربة الإرهاب، وفق التصنيف الذي يشمل حركات المقاومة.

في المحصّلة، قد يضع البعض الإجراءات المتخذة ضد "حزب الله" في سياق الصراع بين طهران وبعض الدول العربية، بوصفه حليفا لإيران، لكن السكوت عن وضع "حماس" في الخانة نفسها، بالرغم من أنها كانت أقرب إلى مواقف حلفاء واشنطن من أحداث المنطقة، يؤكد بما لا يقبل الشك أن تل أبيب كانت الرابح الأكبر من الحشد الإقليمي والدولي الأخير في الرياض.