عندما غادر دولة الرئيس ​عصام فارس​ وطنه قبل 12 عاماً، كان المشهد اللبناني عاصفاً بالصراعات والمشاحنات. واليوم، يجد المشهد إياه. ولكن، من المفارقات أن السياسيين الغارقين في خلافاتهم يتفقون للمرّة الأولى على أن دولة الرئيس عصام فارس هو رجل كبير من لبنان.

دولته لبّى كل الدعوات، معمِّماً أجواء الأمل والتفاؤل. عند رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال: لبنان هو البلد الأكثر أماناً والعالم يحسدنا عليه. وخلال زيارته الرئيسين بري والحريري دعا إلى التوافق وجعل الاعتبار الوطني أسمى الاعتبارات. وفي جامعة البلمند، التي رعى أمس تخريج طلابها، راهن على الشباب أمل المستقبل.

عصام فارس رجل في تاريخ وتاريخ في رجل. فهو يجمع فكراً عميقاً وقلباً يتَّسع للجميع، في معادلة نادرة. وهو استطاع أن يحصد مقداراً غير مسبوق من الاحترام الشامل وحبِّ اللبنانيين جميعاً، بمختلف عائلاتهم وانتماءاتهم، بسبب عطاءاته وانجازاته ومواقفه الوطنية اللامحدودة.

منها: عطاؤه لوطن يحبّه ويخلص له ولأبنائه، وعطاؤه لبلدته مسقط رأسه بينو التي يبقى وفياً لها ولأهلها، وعطاؤه لطائفته الأورثوذكسية وأبنائها ومؤسساتها الروحية والتربوية والاستشفائية، هو الأورثوذكسي الصافي، الوطني المنفتح، الذي لا يبخل بعطائه للناس جميعاً، أهله في الوطنية وشركائه في محبة الأرض والإنسان فيها.

لقد حصد عصام فارس من المحافل الدولية، الكثير من الأوسمة والألقاب والمراتب السامية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، وسام من البابا فرنسيس هو وسام القديس غريغوريوس من رتبة كومندور، ووسام من البابا بنديكتوس، ودكتوراه شرف من روسيا ومن الولايات المتحدة، وأوسمة رفيعة متنوعة فرنسية وأميركية وروسية ويونانية وقبرصية وبلغارية. لكن دولة الرئيس فارس يبقى فخوراً بالتكريم الوطني الشامل في وطنه، ولدى أهل بيته اللبناني الصغير بالمساحة، الكبير بشموخ رجالٍ من أمثال عصام فارس.

والذين يعرفون دولة الرئيس فارس عن قرب أو يعيشون معه يدركون مواصفاته الرفيعة وإخلاصه تجاه الناس، كما تجاه وطنه وطائفته، هو الوطني الصميم والعربي المسيحي المشرقي والأورثوذكسي المستقيم الرأي.

كيف يمكن تعداد العطاءات الوطنية والإنجازات التي قدّمها هذا الرجل الكبير من خلال المؤسسات الدينامية التي يرعاها، ومركز عصام فارس للدراسات والأبحاث؟

تكفي عشرات المحاضرات التي نظمها المركز، ومنها ندوة في الجامعة الأميركية عن الثورات العربية، وحلقة نقاش عن اللاجئين السوريين، وندوة عن الواقع العربي وأخرى عن الانتفاضة العربية، وندوات تتناول سبل التصدي لأزمات التلوث البيئي، وسوى ذلك الكثير من الملفات والقضايا القيّمة والرؤيوية. وأما مبنى معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية فهو أكثر المباني الجامعية تميّزاً في العالم، وفاز بجائزة الآغا خان العالمية للعمارة في العام 2016. وهذا المبنى أنجزته المهندسة المعمارية العراقية العالمية زهى حديد، التي كان لدولة الرئيس الفضل في تسليط الضوء عليها وعلى إنجازاتها المبدعة عالمياً.

وأما بلدته بينو، التي يعشق هواءها ومياهها، فلم يتوانَ لحظة عن تقديم أي رؤية مستقبلية لها، سواء بشق الطرق وبناء البنى التحتية والمؤسسات التي تساهم في تطويرها. وقد أنشأ معامل الزيت والأجبان من إنتاج عكار لتشغيل أبنائها ودعم تشبث أهلها بأرضهم. وهو يفتتح اليوم في بينو كلية عصام فارس للتكنولوجيا، التابعة لجامعة البلمند، بعدما دشّن في المقرّ الرئيسي للجامعة في الكورة أكبر مكتبة في الشرق الأوسط وجناح نور عصام فارس.

ومن بينو إلى امتداد عكار بسهولها وجبالها، وعلى مساحة الوطن، عطاء عصام فارس يتفوَّق، وفكره يضيء الأمل: طرقٌ ومكتبات ومؤسسات استشفائية وبنى تحتية لم تصل إليها الدولة ولم يتذكرها أحد سواه. وأقل ما يمكن لدولتنا اللبنانية أن تفعله لرجل من تاريخ لبنان هو أن تردّ له الجميل وتحفظ له الفضل الذي يستحقّه.

في مجلس وزرائنا اليوم متاهةٌ لا حدود لها في الملفات والأزمات والفضائح: كهرباء البواخر أم كهرباء المعامل؟ قانون الانتخابات النسبي أم الأكثري أم التمديد أم القانون الساري؟ وفي الاتصالات حَدِّث ولا حَرج عن أرقام ضائعة، وفي سواها الكثير الكثير...

نحن المواطنين الصابرين نريد من المسؤولين أن يفعلوا شيئاً يتفقون عليه، وهو تكريس الطاقة الوطنية الكبيرة التي يمثلها دولة الرئيس فارس، بامتدادها الوطني والعالمي الراقي.

ليبتدعْ مجلس الوزراء أفضل تكريس وطني لدولة الرئيس عصام فارس. فالأوسمة لا تكفي لتقدير عطاءاته، وإطلاق اسمه على الساحات أو الشوارع قليل عليه، هو الذي زرع عطاءاته في كل مكان ومؤسسة على امتداد الوطن. وهو الذي انجز الكثير الكثير من مشاريع القوانين وحل ازمات وملفات معقدة عندما ترأس على مدى سنوات لجانا وزارية فكان الضمير الحي للحكومات المتعاقبة.

نحن المواطنين الصابرين على كل شيء في لبنان نسينا أنفسنا وسلّمنا أمرنا. ونطالب السياسيين بشغف أن يعيدوا هذا الوطني الكبير دولة الرئيس عصام فارس إلى رحاب الوطن، بعد أسابيع أو شهر أو شهرين. فلبنان في أمسّ الحاجة إلى رجال حكماء وأخلص المخلصين.

لذلك نقول لدولة الرئيس عصام فارس، فارس الوطنية والعطاء: أخذ الله بيدك، ووفّقك بكل ما تقوم به، ولك منّا شعب لبنان الأبيّ الوفيّ المقهور في وطنه عميق المحبة والتقدير لفكرك البنّاء، ومعك محبة اللبنانيين الأوفياء. وليحفظك الربّ ويسدّد خطاك.