تبنّى تنظيم داعش الإرهابي تفجير مانشستر أمس، الذي أوقع حوالي 22 ضحية و60 جريحاً في بريطانيا. وهو ليس الاستهداف الأول للمنطقة الانكليزية تلك، ليبدأ التساؤل حول جدوى العملية في مثل هذا التوقيت وتداعياتها على الشارع البريطاني على مقرّبة من الانتخابات التشريعية في البلاد، خصوصاً أن المعلومات أشارت أن منفذ العملية هو «مسلم» وبعيداً من هذه الأجواء يفترض البحث في منهجية داعش والتنظيم الذي يفترض أنه يستهدف كل من يقف بوجه مشروع دولته المفترضة ليأتي دور بريطانيا ككل او كواحدة من أصل كتلة القتال ضد الإرهاب الفعلية في سورية، للإشارة الى دورها في الحرب السورية وفي قتال الإرهاب بشكل خاص، والى قراءة داعش لهذا الدور مع الجماعات التكفيرية ليكون المشهد أمام تفسيرين:

أولاً: يترقب الشعب السوري منذ أسابيع والمحور المقاتل في سورية المؤلف من القوات الروسية والإيرانية وحزب الله حركة الحشود العسكرية على الحدود السورية مع الأردن وهي حشود أميركية وبريطانية وأردنية على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا، من تل شهاب إلى معبر نصيب وإلى منطقة الرمثا وانتهاء في خربة عواد، بوجود كتائب دبابات بريطانية ثقيلة من نوع «تشالنجر» مع 2300 مسلح وعدد من الطائرات المروحية من طرازي «كوبرا» و«بلاك هوك»، وأن قرابة 4000 مسلح ممن دربوا في الأردن موجودون في منطقة التنف داخل الحدود السورية. وضمن هذه الأجواء يعتبر المحور المؤيد لسورية أن هذه الحشود تندرج إما ضمن التهويل والتهويل المقابل وإما ضمن عملية عسكرية تتنظر الضوء الأخضر لدخول الأراضي السورية بحجة مكافحة الإرهاب وتأمين أرض آمنة للمجموعات الإرهابية. وهو الأمر الذي لا توافق عليه كل من الحكومة السورية والقيادة الروسية على حد سواء.

ثانياً: تتحرّك بريطانيا ضمن الحشد المقصود بعد مبادرة بريطانية سعودية أردنية أطلقتها تيريزا ماي في زيارتها الأخيرة للمنطقة، وتحديداً للأردن والسعودية وكانت الزيارة قد أعقبت تفجيراً أول في مانشستر في ساحة البرلمان البريطاني ما أخذ الحديث نحو مسعى بريطاني للتدخل للجم الإرهاب، خصوصاً أنها تضم بلد المليوني مسلم وأكثر فيها وهي تخشى الأصول المتطرفة القابعة على أرضها فكانت ردة فعل بريطانية مباشرة.

داعش الذي يرغب في توجيه إنذار للسلطات البريطانية استهدفت للمرة الثانية مدينة مانشستر أول مرة في ساحة البرلمان والثانية أمس على مقربة من الانتخابات ايضاً ما حدا برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن الثلاثاء تعليق حملتيهما للانتخابات التشريعية التي ستجري في 8 تموز المقبل. وكان أعلن كوربن أنه اتفق مع ماي على تعليق الحملة إثر الاعتداء «حتى إشعار آخر»، بحسب ما نقلت عنه وكالة «برس اسوسييشن». كما اتفقت الأحزب السياسية في بريطانيا على تعليق الحملات الانتخابية حتى إشعار آخر. وحدة ملموسة وملحوظة لدى التكتلات السياسية البريطانية كافة، في وقت قالت ماي إن الحادث في المدينة الواقعة شمال انجلترا يجري التعامل معه باعتباره هجوماً إرهابياً.

وإذا كان اعتداء مانشستر الاول قد استدعى تحرك ماي نحو الشرق الأوسط، فإن المخاوف من تحرك غربي تجاه معركة في سورية تحت عناوين متعددة خدمة للمنطلق نفسه بين تدخل عسكري فيها وبين تزحيم موقف المعارضة يصبح أكثر ترجيحاً، فمن المستبعد أن تتجاهل بريطانيا مسألة الاعتداءات. وهو الأمر الذي يوضع ضمن اولويات الحكومة الحالية التي قدمت بعد انقلاب ناعم على كاميرون الذي أساء التعامل الاقتصادي المحلي وأساء فرض سياسة خارجية تجلب الأمن لبلاده خصوصاً في الملف الليبي.

القمة العربية الأميركية التي حشدت ضد داعش، وإيران على حد سواء قد تكون نافذة للتحرك الغربي بوجه داعش في المرحلة المقبلة. وهو ما يستدعي انتظار الضوء الأخضر الأميركي لأي تصعيد مشترك في سورية.

تطور مقلق يعيشه البريطانيون وحالات الذعر تسود الأجواء. فالبلد ليس في وضع طبيعي ولا أحد يدري الضربة المقبلة أين ستكون؟ هذا هو لسان حال الشعب البريطاني. الانتخابات البريطانية التشريعية التي تبدو على الأبواب كانت أول المتأثرين بتأجيل الحملات المخصصة لمرشحيها ليبقى السؤال: هل ستتأثر نتائجها خصوصاً أن منفذ العملية او مرتكبها مسلم؟ هل تتصاعد النعرات اليمينية المناوئة للأقليات خاصة للمسلمين، خصوصاً أن الجدل مستمر ومحل خلاف دائم؟ مخاوف بريطانية جدية من عدم ذهاب الناس للاقتراع خشية الوجود في أماكن مكتظة يستغلها داعش في عمليات جديدة.

عملية مانشستر محطة أساسية من عمر السياسة البريطانية تتطلب من حكومة ماي موقفاً حاسماً على ما يؤشر اليه سلوك حكومتها التصعيدي في المنطقة، خصوصاً بعد البادرة الأمنية المشتركة التي أطلقتها بين بريطانيا والأردن والسعودية.