في ظل التحولات القائمة على مستوى المنطقة، إنطلاقاً من القمم التي عقدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، ومن ثم إنتقاله إلى تل أبيب حيث التقى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، يبدو أن ​اسرائيل​ قلقة من مسار الأحداث الجديد، لا سيما بالنسبة إلى تصعيد الحرب على المنظمات الإرهابية، بالرغم من أنها كانت المستفيد الأول من تدمير مقدّرات الدولة السورية.

بالنسبة إلى تل أبيب، من الضروري التركيز على الوجهة الجديدة للأحداث، أي تلك التي نتجت عن التطورات الأخيرة، لناحية تسليط الأضواء على الصراع مع الجمهورية الإسلامية في إيران و"حزب الله" والرئيس السوري بشار الأسد، فهي تدرك أن الخطر عليها يأتي من القوى الثلاث وليس من أي جهة أخرى، خصوصاً أنها لم تكن بعيدة عن التعاون مع بعض الجماعات السورية المعارضة، لا سيما الجناح الرسمي لتنظيم "القاعدة" جبهة "النصرة"، من خلال تقديم مختلف أشكال الدعم لها، وحتى التدخل مباشرة في المعارك عندما تدعو الحاجة.

من هذا المنطلق، يمكن فهم الرسائل التحذيرية، التي قدمها ضباط في الإستخبارات الإسرائيلية إلى ​الولايات المتحدة​، من خطر إستمرار واشنطن في الحرب على "داعش" و"القاعدة"، معتبرين أن نتائج ذلك ستكون أسوأ على البلدين معاً بعد الإنتهاء من هذه المعركة. من وجهة نظر هؤلاء الضباط، هذا الأمر سيدفع السكان المحليين في سوريا والعراق إلى التطرف أكثر، والبحث عن ساحات أخرى ربما تكون في الأردن ولبنان، في حين أن المطلوب التركيز على الخطر الإيراني الذي يعتبر أكثر معرفة وقوة ولديه ترسانة عسكرية ضخمة.

بالنسبة إلى الرؤية الإسرائيلية، "داعش" لا يعتبر فقط تنظيما غير "عدائي"، خصوصاً أن العمليات الإرهابية التي قام بها في الخارج جاءت بعد إنطلاق التحالف الدولي لمحاربته، بل أيضاً يمكن الإستفادة منه في الحرب ضد طهران وباقي أعدائها، أي من خلال تسعير الفتنة المذهبية على مستوى المنطقة، ما يعني أن تل أبيب لا تريد في الوقت الراهن الإستمرار في الحرب على التنظيمات الإرهابية، بل على العكس من ذلك تقديم المساعدة لها لتسعير معركتها في سوريا والعراق للمساعدة في إضعاف الدولتين، خصوصاً أن هذا الأمر يساهم في إشغال "حزب الله" في ساحة أخرى بعيدة عن جنوب لبنان، بعد أن أدى ذلك في السابق إلى توتر في علاقته مع أغلب الدول العربية، التي باتت تصنف الحزب منظمة "إرهابية".

بناء على ذلك، يمكن القول أن تل أبيب، التي نجحت من خلال القمة العربية الإسلامية الأميركية في وضع "حزب الله" وحركة "حماس" في خانة واحدة مع "القاعدة" و"داعش"، تريد أن تركز الحرب المعلنة على الإرهاب، خصوصاً بعد أن حصلت على حشد جديد من القوى بوجه الحزب والحركة من أجل إضعافهما، الأمر الذي يحقق مصالحها، في حين هي ستبقى في موقع المتفرج على ما يحصل بدل أن تضطر إلى القيام بالمهمة نفسها من جديد بعد أن عجزت عن ذلك سابقاً، لا سيما أن الأحداث أثبتت أنها لم تكن يوماً هدفاً أو مسرحاً لعمليات الجماعات المتطرفة، سواء تلك التي تدور في فلك "القاعدة" أو تلك التي بايعت "داعش" بعد إعلانه "الخلافة".

في المحصلة، لم تعد إسرائيل تخجل من الإعلان صراحة أن ما تقوم به الجماعات المتطرفة يصب في مصلحتها مباشرة، لا بل هي لا تتردد في تقديم الحماية لهم من خلال الدعوة إلى تركهم ومحاربة من يقفون بوجههم على أرض الواقع.