لم يأت الإنفجار في العلاقات السعودية القطرية الأخير من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات عمرها سنوات، لكن كل محاولات السيطرة على الخلاف فشلت في تحقيق الهدف، لتجد الرياض نفسها مع وصول الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ إلى السلطة أمام الفرصة المناسبة لـ"تأديب" الدوحة.

على هذا الصعيد، كان من الممكن أن تنتهي الأزمة الأخيرة بين الجانبين خلال ساعات، لا سيما بعد أن صدر نفي رسمي للتصريح المنسوب إلى الأمير القطري ​تميم بن حمد​، إلا أن الإستمرار في سياسة التصعيد، من جانب البحرين والسعودية والإمارات، يؤكد أنه كان بمثابة "الفرصة" لتوجيه ضربة قاضية إلى الدوحة، لكن ما هو السبب الحقيقي لما حصل؟.

طوال السنوات السابقة، لم تكن الرياض تنظر بعين الرضا إلى الدور القطري في المنطقة، خصوصاً أنه يسرق الأضواء منها، في حين هي تعتبر أن من المفترض بكل الدول العربية، وليس فقط الخليجية، أن تبقى تحت عباءتها، وبالتالي من غير المسموح للدوحة بأن تغرد خارج السرب السعودي بأي شكل من الأشكال، وهو الأمر الذي أدى إلى أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين أعضاء مجلس دول التعاون الخليجي وقطر قبل سنوات.

بعد تلك الأزمة، كان من المفترض أن تقوم الدوحة بالعديد من الخطوات التي تؤكد خضوعها، أو إستسلامها، لما تقرره السعودية على مستوى السياسة الخارجية في المنطقة، لكن قطر لم تتنازل عن تحالفها الأبرز مع تركيا وحركة "الإخوان المسلمين"، التي تمتلك حضوراً قوياً في أغلب الدول العربية والإسلامية، في حين كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يقف بين المحورين المتنافسين لكسب ود بلاده من دون أن يحسم موقعه إلى جانب أحدهما على حساب الآخر.

اليوم، لم يعد أوباما سيد البيت الأبيض بل وصل إلى سدّة الحكم الملياردير المثير للجدل دونالد ترامب، الذي أعلن في حملته الإنتخابية بأنه يرغب في وضع "الإخوان المسلمين" على لائحة بلاده للمنظمات الإرهابية، وهو أبدى في أكثر من مناسبة حماسته للتعاون مع الملك السعودي ​سلمان بن عبد العزيز​ والملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​، في حين كان اللقاء الأول الذي جمعه مع الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ عاصفا، لا بل تعمدت الإدارة الأميركية أن تعلن تسليحها لوحدات "حماية الشعب الكردي" قبل أيام قليلة من وصول أردوغان إلى واشنطن للقاء ترامب.

ضمن هذا السياق، يجب قراءة الصورة التي جمعت كل من الرئيسين الأميركي والمصري والملك السعودي، خلال إفتتاح مركز "اعتدال" لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض مباشرة بعد الإنتهاء من ​القمة العربية الإسلامية الأميركية​، بالإضافة إلى ثناء سلمان بن عبد العزيز على كلمة السيسي في القمة بالرغم من الإنتقادات التي وجهها إلى "الإخوان" وقطر وتركيا، مع العلم أن هذا لا يعني أن واشنطن ذاهبة إلى التخلي عن أنقرة أو الدوحة، لكنها أيضاً لن تمانع في تحجيم دورهما في حال كان التحالف المقابل قادر على تلبية المصالح.

من هذا المنطلق، يمكن أيضاً فهم الحماسة التي أبدتها وسائل الإعلام، التي تدور في الفلكين السعودي والإماراتي، لمحاولة الإنقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا، قبل أن تعود المواقف الدبلوماسية إلى التأكيد على دعم "شرعية" حكم أردوغان، بعد أن أصبحت على يقين بأن الحركة الإنقلابية لن تنجح في تحقيق الهدف المرجو منها، فالرياض تدرك جيداً بأنها، على الرغم من التنسيق المعلن مع تركيا في مختلف الملفات المشتركة، على تنافس مع أنقرة حول "الشرعية" في العالم الإسلامي، أو بتعبير أدق على شرعية زعامة الإسلام السني في هذا العالم، وبالتالي فهي لن تقبل بأن يستمر أردوغان، مستفيداً من حركة "الإخوان المسلمين"، في لعب دور "الخليفة" أو "المرشد".

في المحصلة، هذا الصراع قد يستمر في الأيام المقبلة أو يعود إلى الخفاء من جديد، لكن بالتأكيد الخلاف سوف يبقى قائماً بسبب الإختلاف في المصالح والرؤية.