من باب التضامن والتآزر، قد يدخل النقاش الانتخابي في صومٍ عميق مع حلول الشهر الفضيل اليوم. فلا الرئيس نبيه بري مستعدٌ “لتنشيف ريقه” من كثرة “اللتّ والعجن” في موضوع لا نوًى منه على ما يبدو، ولا حزب الله المتصالح مع “نسبيّته” سيكون متفرّغًا لذلك سوى في بعض الإفطارات التي ستشكل مناسبة للتذكير بالملف لا أكثر.

قد يصوم المناقشون ويفطرون في نهاية المطاف على قانون جديد. ربما لن يكون مهمًا بالنسبة الى كثيرين علامَ سيفطرون بقدر ما يهمّ الشعب اللبناني ألا تكون نهاية الصوم فراغًا.

الأمر محسوم!

يبدو الأمر محسومًا في هذا المجال في شتّى الدور السياسية ولا حاجة الى نبش التأكيدات والمواقف الحاسمة. فأسوأ ما قد يعيشه اللبنانيون منتصف حزيران لن يكون سوى إعلاء شأن القانون الساري والتسليم بأن لا بديل عنه. ذاك الواقع الذي سلّم به الجميع من دون أن يجعلوه خيارًا أوحد، تدحضه كواليس عدة على رأسها الرابية بتأكيدها أن المهل ما زالت متاحة للاتفاق على قانون انتخابي جديد، وهو ما تلاقيها اليه الصيفي بعدما أفصحت عن دعمها للقانون النسبي وفق 15 دائرة وهو ما أعادت التشديد عليه في غير مناسبة. علمًا أن أجواءً ليلية بثّت روحًا تفاؤلية في شأن رسوّ الخيار على قانون نسبي مع 15 دائرة.

خرقٌ قواتي

كلّ حديثٍ عن قانون سارٍ كان لينتصر منذ اليوم أي منذ الساعات الأولى لانطلاق شهر الصوم الذي اعتاد اللبنانيون فيه على صوم رئيس مجلس النواب نبيه بري، لو لم تخرق المشهدية زيارةٌ قواتية الى عين التينة بطلها النائب جورج عدوان حيث خرج حاملًا نوعًا من بشائر التقدّم “غير النهائي” على أن تُستكمل الاتصالات والمداولات للانتهاء من مهزلة القانون الانتخابي. في الانتظار، ترفض قوى سياسية عدة من أحزاب مسيحية وشيعية وسنيّة التسليم بأن الصوم الكبير سيحمل معه صومًا في ملف الانتخاب خصوصًا أن هذا الملف بالذات لا يحتمل صومًا أو

تقاعسًا، ناهيك عن أن نهاية شهر رمضان تتجاوز نهاية المهل الدستورية المؤطّرة بـ19 حزيران بأيام معدودة، وبالتالي لا يمكن سوى لاحتمال واحد أن ينتصر في مجال الربط بين الصومين: أن يُقرّ قانونٌ جديد قبل عيد الفطر فيكون الاحتفال مزدوجًا.

تماهٍ جماعي؟

هذا التماهي “الأملي-القواتي” ليس متروكًا وحيدًا في الساحة اللبنانية، إذ هناك من ينضمّ اليه من باب الواجب وآخرون من باب القناعة. وإذا كان الكتائبيون حسموا أمرهم بشأن النسبية على أساس 15 دائرة، فإن حزب الله هو الأكثر تصالحًا مع نفسه إذ كان أول المنادين بالنسبية ولما يزل. ورغم أن كثيرين يحاولون رمي العقدة في ملعب التيار الوطني الحرّ، فإن الرأي النهائي في هذا المجال يبدو متروكًا لرئيس الجمهورية الذي يحاول كثيرون الغمز من قناة أن “الستين” يريحه من “فلسفات” كل حزب على حدة، لا بل يوجد له مسوّغاتٍ أمام الرأي العام بأنه حاول عبثًا لأن الأفرقاء لم يتفقوا على قانون جديد، وبأن الانتخاب على أساس قانون حيٍّ أفضل من الفراغ، خصوصًا أن الاحتكام الى الشعب طرحٌ دستوريٌّ لكن غير مرحّب به من قبل الأكثرية السياسية.

إصرار حذِر

ليس التفاؤل غريبًا عن الساحة اللبنانية وهو الذي رافق كل المواقف منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، تاريخ تقدُّم الطرح النسبي على الطرح التأهيلي الذي يتمسك به التيار على أنه الطرح المختلط الأفضل، فمع كلّ موقف وفي أي مناسبة جرعة يبثّها طرفٌ مختلف. فبالنسبة الى أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان إصرارٌ على أنه سيكون هناك قانونٌ جديد قبل 20 حزيران، ومثله يفعل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بإصراره على أن الانتخابات ستحصل قبل نهاية العام الجاري. ويركن المتفائلون في رأيهم ذاك الى حقيقة إصرار الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على المضي بعهدهما قدمًا من دون أي تشويش أو تشويه.

الى متى؟

في المحصّلة، تبدو الصورة وكأن التيار الوطني الحرّ هو أبرز معرقلي الوصول الى صيغةٍ انتخابية سريعة، وهو ما ينظر اليه كثيرون بعين الريبة ويتساءلون عن دور رئيس الجمهورية في هذا المجال، لجهة دفع التيار في اتجاه إبداء بعض الليونة من دون أن يكون ذلك على حساب قناعةٍ بنى عليها “حربُه” الانتخابية قائمة على إنصاف المسيحيين. ولكن الى متى؟ قطعًا ليس الى أن يفرجها الله لأن المهل الدستورية ضاغطة، بل الى 20 حزيران كحدٍّ أقصى حين يخرج رئيس الجمهورية معلنًا انتصارًا من اثنين: إما قانون جديد سيكون “النسبي” المدوّرة زواياه والمائل صراحة الى خمس عشرة دائرة، وإما قانون الستين “كما خلقتني يا ربّ”... ورغم أن الانتصار الأول له الأفضلية وفق الأجواء الأخيرة وهو يمنح العهد دفعًا وزخمًا أكيدين، بيد أن الخيار الثاني الذي يهوّنه سيّد القصر على نفسه ومن حوله ويجسّ به نبض الشارع لن يكون أسوأ الخيارات المتاحة حتمًا وإن كان انتصاره مؤجلًا!