فيما تغيب غالبية القوى السياسية الصيداوية، عن دائرة التأثير الفاعل في قرار انتاج قانون انتخابي جديد قبل 20 حزيران المقبل، تعوض بعض القوى حضورها في اثارة بعض القضايا الصحية والبيئية والخدماتية الضاغطة مع بدء شهر رمضان المبارك وفي ظل ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة، لتجعل من احتجاجها صدى مؤثرا لتخفيف المعاناة عن ابناء المدينة.

ثلاث قضايا سياسية وخدماتية وبيئية تشغل بال الصيداويين هذه الايام مع قدوم شهر رمضان المبارك والاحتفال بـ"عيد المقاومة والتحرير"، ومع زيارتي نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة العامة غسان حاصباني والثقافة غطاس الخوري، وهي قانون الانتخاب والاتصالات الجارية بين القوى السياسية اللبنانية لانتاجه قبل انتهاء المهل القانونية، "الروائح الكريهة" التي تنبعث من معمل معالجة النفايات الحديث في سينيق، والتي نغصت على ابناء المدينة فرحتهم بانجاز ازالة مكب النفايات السابق وعدم الالتزام بالمعايير المطلوبة، وتسعيرة مولدات الاشتراكات الخاصة وارتفاع اسعارها الشهرية مقارنة بباقي المناطق اللبنانية.

يخرق تيار "المستقبل" دائرة التأثير في قانون الانتخاب امتدادا الى رئيسه في لبنان رئيس الحكومة سعد الحريري، فيما تبدو بقية القوى مترقبة لما سيؤول اليه شكله بغض النظر عن خصوصية المدينة التي حافظت طوال عقدين على تنوعها في التمثيل النيابي قبل الدورة الاخيرة والتمديد، بعد تطبيق اتفاق الطائف واجراء اول انتخابات نيابية رفعت حصة المدينة الى نائبين بدلا من واحد، وكان يمثلها النائب بهية الحريري والنائب الراحل مصطفى سعد، ثم الحريري نفسها والنائب السابق الدكتور اسامة سعد، اما اليوم الحريري والنائب فؤاد السنيورة بعد اعتماد قانون الستين الذي جعل منها دائرة انتخابية منفصلة عن الجنوب، خلافا لما كان الحال سابقا وتحديدا بعد اتفاق الدوحة عام 2008 الذي انهى الخلاف السياسي بعد 7 ايار 2017 والانقسام الداخلي بعد عدوان نيسان عام 2006 الاسرائيلي.

اليوم، يكرّر مسؤولو "التيار الازرق" ان صيدا "خط احمر" انتخابيا، وأمينه العام "الشاب" الذي بدا منذ اشهر جولات في مختلف المناطق، من بيروت، الى البقاع والشمال وفي صيدا، ومع مختلف القطاعات الاقتصادية والشعبية والنقابية والاجتماعية، يؤكد في لقاءاته ومنها مع الاعلاميين ان حراكه المتواصل، لا يندرج في خانة الانتخابات، وليس من اجل استقطاب أصوات الناخبين، وانما للحفاظ على حضور وقوة تيار "المستقبل" مع مختلف قواعده وخاصة الشعبية منها، على قاعدة "لن نقبل مجددا توجيه اي ضربة سياسية لرئيس الحكومة سعد الحريري في مسقط رأسه تحديدا، مثلما حصل مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في العام 2004، وهذه الرؤية تجعل التيار متمسكا بالمقعدين دون اي تنازل او مساومة وحتى تسوية وربما فقط في تبديل الاسماء.

توازيا مع هذه الخلفية، تبدو القوى الاخرى "متفرّجة" لانها غير مؤثرة في المعادلة اللبنانية العامة، والمطالبة بقانون انتخابي وفق رؤيتها السياسية، عادل يحقق التوازن ولا يلغي احدا، واضعف ايمانها تسجيل موقف "اعتراض" او "تحفظ" بانتظار اقراره بصيغته النهائية.

الروائح الكريهة

مقابل ذلك، بدأ "التنظيم الشعبي الناصري" بزعامة الدكتور اسامة سعد ولائحة "صوت الناس" برئاسة بلال شعبان والتي خاضت الانتخابات البلدية بوجه لائحة الرئيس الحالي المهندس محمد السعودي، تثبت حضورها على الارض عبر اثارة قضايا خدماتية وبيئية تهم كل ابناء المدينة بغض النظر عن الاختلاف السياسي، التقارب او التباعد، ابرزها الروائح الكريهة التي تنبعث من معمل معالجة النفايات الحديث، حيث تقول مصادر "التنظيم"، ان المسؤولين لا يلتزمون بالمعايير الصحيحة للعمل، وقد تراكمت العوادم لتتحول الى جبل نفايات، ينفث سمومه الكريهة وامراضه مع كل ريح، كان الوعد أواخر العام 2015 الإنتهاء من وحدة إعادة تدوير العوادم وإعادة تصنيعها بأشكال مختلفة من بلوكات للبناء، خشب مضغوط، وزجاج جاهز للتصنيع، وانه بعد ما يقارب سنتين من الوعد، تبيّن أن وحدة إعادة التدوير ما هي إلا الجبل الجديد الّذي يقبع على صدور الصيداويين، بينما التساؤل الاهم، هل لهذه الروائح الكريهة علاقة ايضا باستقبال نفايات بيروت، حيث جرى التأكيد أن المعمل قادر على استيعاب نفايات إضافية من العاصمة وغيرها، هل هذا الإستيعاب حقيقي أم كان طمعاً بعوائد ماليّة إضافيّة فقط؟ وسط تحميل البلدية مسؤولية عدم تطوّر آليات المتابعة والمحاسبة للأعمال ومراحلها وتحديث معمل الفرز وإعادة التدوير.

وفيما التزم التيار الازرق بالصمت، قناعة منه ان التحركات الشعبية الاحتجاجية ذات اهداف سياسية في خلفياتها وتوقيتها ودلالاتها، أيّد الدكتور عبد الرحمن البزري و"الجماعة الاسلامية" ضرورة معالجة مكامن الخلل، على اعتبار أن مصلحة صيدا، مقدمة على ما سواها وصحة أبنائها لا تقبل المحاباة ولا المجاملة مع أي كان وصولا الى دعوة رئيس البلدية السعودي الى متابعة كل صغيرة وكبيرة بهذا الخصوص.

فيما استنفرت بلدية صيدا، وبدا رئيسها السعودي منزعجا جدا وحاسما في قراره بعدم السماح بتشويه الإنجاز الكبير والعظيم الذي حققته البلدية في عهده بإنشاء معمل فرز النفايات بسوء الإدارة.

وفي دردشة، اكد السعودي، ان المجلس البلدي ناقش هذه القضية في اجتماعه الاسبوعي، وصولا الى توجيه انذار الى ادارة المعمل ورفض كل الحجج لتبرير تكديس هذا الكمّ الهائل من النفايات خلف المعمل، وضرورة ايجاد الحلول الناجعة التي تعود فائدتها على صيدا وأبنائها واستمرارية العمل في معمل الفرز... دون ان يغفل النفايات من بيروت، لأننا وإن كنا حريصين على مساعدة غيرنا في التخلص من مشاكلهم ولكن ليس على حساب صيدا ونقل المشكلة إليها.

تسعيرة المولدات

الى جانب القانون الانتخابي سياسيا، والروائح الكريهة بيئيا، تقدمت قضية تسعيرة اشتراكات المولدات الخاصة، فاذا كان الاصل ان تقوم الدولة بتأمين هذه الخدمة لانها من ابسط حقوق المواطن، ولكنها تعجز عنها نتيجة "الفشل والفساد لهذه السلطة وهذا النظام" وفق سعد، الذي رفض ان "يتحمل المواطن الاعباء المالية التي تثقل كاهله مرتين، اذ أن الاشتراكات الباهظة المفروضة على الناس من قبل أصحاب المولدات تشكل استغلالاً مضاعفاً وتزيد معاناتهم، ولا سيما أبناء الفئات الشعبية ومحدودي الدخل، وبخاصة أن أعلى تسعيرة مولدات في لبنان على الإطلاق معتمدة في مدينة صيدا"، فيما وصف شعبان ملف الكهرباء في لبنان واحداً من الملفات المستعصية وأزمة من الأزمات الوطنية، وبعدما أصبحت المولدات حاجة فعلية لسد هذا النقص، أصبحت هي بحد ذاتها مشكلة إضافية تضاف الى مشاكل المواطنين الجمة، من جراء الاختلاف الفاضح بين المناطق والبلديات، سواء باختلاف الأسعار أو نوعية الخدمة المقدمة.

وسعد الذي اجرى اتصالات بوزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل الذي بدوره اتصل بالسعودي وزار محافظ الجنوب منصور ضو، علمت "النشرة" ان السعودي وعد بمعالجة الموضوع عبر الزام اصحاب المولدات تركيب عدادات للمشتركين خلال اشهر معدودة، وفي الوقت نفسه دعا كل ذي خبرة الى مشاركة البلدية في وضع تسعيرة الرسوم الشهرية من منطلق الشفافية.