عندما تحدّث رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون عن خيار القانون النافذ كأمر واقع حتمي، في حال تعذّر التوافق على قانون جديد، ظنّ الكثيرون للوهلة الأولى أنّه أعطى "الضوء الأخضر" لخوض الإنتخابات وفق "قانون الستّين"، لكنّه كان في الواقع يُوجّه رسالة حازمة غير مُباشرة إلى كل الجهات السياسيّة التي لها "كلمة وازنة" في الملفّ الإنتخابي، بأنّ عدم المُسارعة إلى تقديم تنازلات مُتبادلة سيقود حتمًا إلى إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ. وأسفر هذا الأمر عن صدمة إيجابيّة على خط المفاوضات القائمة لإقرار صيغة إنتخابيّة وسطيّة ضمن مبدأ التصويت النسبي الكامل. فما الذي حصل؟.

صحيح أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي هو الذي يُفاوض بإسم "الثنائي الشيعي"، لكنّ "الكلمة الفصل" في الملف الإنتخابي تعود إلى "حزب الله" الذي يرفض كلّيًا العودة إلى "قانون الستّين"، وذلك لإعتبارات عدّة، أبرزها:

أوّلاً: إنّ إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ لا يُعطي حلفاء "حزب الله" في البيئات السنّية والدرزيّة والمسيحيّة، فرصة كبيرة للوصول إلى المجلس النيابي، لأنّ "قانون الستّين" الذي يعتمد صيغة التصويت الأكثري ضمن القضاء، سيصبّ في صالح "تيّار المُستقبل" سنّيًا و"الحزب التقدمي الإشتراكي" درزيًا، وسيُعطي كل من هذين الطرفين فرصة عقد تفاهمات إنتخابيّة مع كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" في العديد من الدوائر، لتقاسم النفوذ بين هذه الجهات الأربع.

ثانيًا: على الساحة المسيحيّة سيُشجّع "قانون الستّين" "الثنائي المسيحي" لخوض الإنتخابات جنبًا إلى جنب، الأمر الذي سيضع باقي الجهات المسيحيّة، وفي طليعتها "تيّار المردة"، وكذلك "الحزب القومي السوري الإجتماعي" في موقع منافس، الأمر الذي سيزيد الشرخ بين "التيّار" و"المردة" بشكل خاص، وسيخلط كل التحالفات السياسيّة التي عمل "حزب الله" جاهدًا على نسجها في دورة العام 2009.

النتيجة النهائية لإجراء الإنتخابات وفق "قانون الستّين" لن تُحدث أيّ تغيير جذري على مُستوى حجم القوى السياسيّة في لبنان، وهو ما كان يُراهن عليه "الحزب" بشدّة، بعد الفشل في حُصول هذا التغيير للتوازنات السياسيّة الداخليّة في دورة العام 2009 النيابيّة.

رابعًا: إنّ أيّ تنازل قد يُقدم عليه "حزب الله" على مُستوى "قانون النسبيّة الكاملة"، يبقى محدودًا وأقلّ ضررًا بكثير لكلّ من "الحزب" و"الثنائي الشيعي" ومُختلف قوى "8 آذار"، مُقارنة بالتمسّك بالتشدّد في المواقف، والوصول إلى "قانون الستّين" في نهاية المطاف.

وبالتالي، لكل هذه الأسباب، عمَد "حزب الله" إلى مُلاقاة "التنازلات" التي عرض "الثنائي المسيحي" تقديمها، بوساطة مُباشرة من النائب جورج عدوان، لإنجاح مُحاولات التوصّل إلى تسوية وسطيّة لقانون النسبيّة الكاملة. وعُلم في هذا الصدد أنّ "الثنائي الشيعي" وافق على رفع عدد الدوائر الإنتخابيّة من مُصغّرة وحتى من لبنان دائرة واحدة–كما كان يُطالب "الحزب" بالتحديد، إلى 15 دائرة، في مُقابل مُوافقة "الثنائي المسيحي" على التخلّي عن المُطالبة بالصوت التفضيلي وفق القيد الطائفي والمذهبي، والإكتفاء بأن يكون "الصوت التفضيلي" ضمن القضاء، بغض النظر عن تقسيم الدوائر الإنتخابيّة. وبعد حل كل من مسألتي "عدد الدوائر" و"الصوت التفضيلي" بنسبة كبيرة مع بقاء بعض التفاصيل الصغيرة، تستمرّ المُناقشات حاليًا لمُعالجة تقسيمات الدوائر الإنتخابيّة، ولجعلها مُتشابهة قدر المُستطاع على مُستوى كل لبنان، حيث تُوجد حاليًا إستثناءات محدودة، علمًا أنّه جرى تقسيم محافظة جبل لبنان إلى 4 دوائر في مُقابل 3 دوائر لكل من محافظات الجنوب والبقاع والشمال، إضافة إلى تقسيم بيروت إلى دائرتين إنتخابيّتين. لكنّ العقبة الأبرز التي لا تزال تُواجه إختلافًا كبيرًا في وجهات النظر تتمثّل في مسألة نقل المقاعد الإنتخابيّة، حيث يُصرّ "الثنائي المسيحي" على نقل بعض المقاعد النيابيّة المُوزّعة بشكل غير عادل ضمن بيئات تجعل من قيمة صوت الناخب المسيحي معدومة تماماً، الأمر الذي يرفضه "الثنائي الشيعي"-ولوّ أنّه جرى أخيرًا تسجيل نوع من التقدّم الذي قد يُفضي إلى تسوية وسطيّة، في حال صفت النيّات.

في الخلاصة، إنّ فرص التوافق على قانون إنتخابي جديد يعتمد مبدأ التصويت النسبي الكامل هي أعلى حاليًا من أيّ وقت مضى، حيث أنّ الأيّام القليلة المُقبلة ستكون حاسمة في هذا السياق، خاصة وأنّ كل الأطراف تُدرك أنّ الفشل في تحقيق هذا الإنجاز في الأسبوعين المُقبلين أو الأسابيع الثلاثة المُقبلة كحدّ أقصى، سيقود الجميع إلى إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ حاليًا. وهذا الأمر الذي يُناسب بعض القوى الداخليّة، لا يُناسب إطلاقًا قوى أخرى، وفي طليعتها "حزب الله"، الأمر الذي حثّه-كما غيره من القوى ومنها "التيار الوطني الحُرّ"، إلى تقديم مجموعة من التنازلات، على أمل إنجاح جهود التسوية الحالية.