اذا كنت تتفق مع الرئيس نبيه بري ام تختلف معه، اذا كنت تحبه او لا تحبه، اذا كنت خصمه في السياسة ام حليفه، لا يمكنك الا ان تعطي الرجل قدره وحقه. فهو اقدم البرلمانيين العرب واكثرهم خبرة وحنكة ومعرفة دستورية وقانونية وهو الخبير في عالم السياسة وخباياها ولا يمكن لاحد ان يقرص عجينه لا انصاف الرجال ولا اقزام السياسة بغض النظر عن هوية هؤلاء. ففي السياسة لا محاباة ولا مسايرة وعندما يتوقف النقاش عند الكتاب اي الدستور فواجب التمعن في احكامه والتوقف عندها بنظرة علمية ومنطقية.

في مؤتمره الصحافي امس خرج نبيه بري فقيهاً دستورياً فند احكام الدستور اللبناني والمستمد روحاً ونصاً ومضموناً واعرافاً من التشريع الفرنسي القديم وهو ما زال يدرس وفق النظام الفرنسي القديم في جامعات لبنان الرسمية في الحقوق وعلم السياسة والادارة. وليس أكفأ او اجرأ من نبيه بري ليضع النقاط على الحروف وليفند كل المرحلة التي تلت انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون والتي وللمفارقة ان بري لم ينتخب عون لكنه كان "بيدق" وربان نجاحها كما هو من ابتدع الورقة البيضاء التي حلت مكان المرشح الآخر وهو النائب سليمان فرنجية. ويعرف الرئيس بري وكل من يعرفه يعرف ان رئيس المجلس يعرف من اين تؤكل الكتف في السياسة ولا احد يمكن ان يغبر عليه في السياسة ولا في الدستور وهو العارف بخبايا الكتاب ونقاط الضعف التي تركها المشرع ويعرف كيف يسد الثغرات التي ينفذ منها "الخبثاء" الى النص لترويضه لمصالحهم السياسية.

منذ اشهر ولعبة البحث عن القانون الانتخابي الجديد لم تنته، سقطت كل المشاريع الانتخابية التي فخخت في غالبها بطروحات جبران باسيل الطائفية والتقسيمية والتي يهدف من خلالها الى امرين اساسيين: الاول ان يحصل على مقعد نيابي في البترون استعصى عليه منذ العام 2005 وحتى اليوم. كما يسعى باسيل من خلال طروحاته الانتخابية التي يزعم فيها تحصيل حقوق المسيحيين الى تحصيل اكبر كتلة مارونية ومسيحية ليكون "الماروني الاول" في الطريق الى السباق الرئاسي في بعبدا في العام 2022. ففي نظر باسيل وكما يهمس المقربون منه في آذان حلفائهم ان باسيل ينقصه المقعد النيابي ليحصل مرتبة الشرف الموعودة فهو وزير دائم في كل الوزارات بعد العام 2008 وهو وارث عون في رئاسة التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح النيابي لكنه ليس نائباً وهو يعتبرها نقيصة في مشواره السياسي وقبل ان يصبح نائباً يريد "سوكرة" القانون الانتخابي الذي يضمن كتلته الخاصة ويريد تقسيم حصص الآخرين بما يخدم مشواره الى بعبدا.

وفي مخيلة باسيل الواسعة والجامحة والتي لا تعرف حدوداً وفق المقربين منه يسعى منذ فترة الى خطب ود سعد الحريري السني الاول بعدما ضمن ان حزب الله والطرف الشيعي البارز انه لن يتخلى عن ورقة التفاهم مع التيار الوطني الحر مهما كانت الظروف قاتمة وصعبة.

فعندما يؤمن وقوف طرفين اساسيين في البلد كالحريري وحزب الله الى جانبه يسير الدرزي وليد جنبلاط مع الثنائي الحريري وحزب الله وعندها لا يبقى عقبة الا نبيه بري والنائب سليمان فرنجية وازاحتهما وفق مخيلة باسيل سهلة فأي قانون انتخابي مفصل على قياس باسيل يمكن سحب مقعد وحضور فرنجية السياسي ويمكن تحجيم دور بري وكتلته وصولاً الى المطالبة بتغييره من رئاسة المجلس فكما لم ينتخب عون لن ننتخبه لرئاسة المجلس هكذا تراود الافكار جبران باسيل "فقاسة الطروحات" الانتخابية وصاحب آخر طرح وهو استحداث فريق شيعي ثالث غير امل وحزب الله وبذلك يريد استفزاز بري مرة جديدة.

المؤتمر الصحافي لبري والذي اعاد فيه تصويب جموح من يعتقد انه يمكن له ان يصادر صلاحيات رئاسة مجلس النواب والحكومة ونفخ صلاحيات رئاسة الجمهورية، حدد بوصلة عمل المجلس فجلسة 5 حزيران قائمة ودستورية بفعل الشهر المقتطع من ولاية المجلس بموجب المادة 59 التي استعملها لمرة يتيمة بعد الاستقلال وهي ستكون مخصصة ان صفت النوايا الاخيرة والاجواء الايجابية لتأجيل تقني لثلاثة اشهر ولبت قانون الانتخاب القائم على النسبية بـ15 دائرة وبلا نقل مقاعد يريدها البعض لاحكام سيطرته على المقاعد والتي يريد نقلها لمنع الاقليات في الاقضية من التحكم بالمقاعد التي يريدها صافية له مئة في المئة.

في مؤتمره الصحافي امس ايضاً حدد بري وجهة الصراع السياسي بينه وبين فريق باسيل وعون فهو يعمل وفق منطوق الدستور ويوقف مغامرة السيطرة على البلد وكل مفاصلها الادارية والامنية والسياسية والعسكرية وصولاً الى شكل وقانون الانتخاب الذي سيحدد شكل السلطة للاعوام الاربعة المقبلة ومن الان وحتى 5 حزيران سيتضح مسار الامور فإما نذهب الى صفحة بيضاء بقانون انتخابي جديد وإما سيكون باب التصعيد مفتوحاً الى النهاية او يكون مقصد الجميع او غالبية القوى السياسية البقاء على قانون الستين محلًا للفراغ وللتمديد.