بعد ان بتنا قاب قوسين او ادنى من اقرار قانون للانتخاب على اساس النسبية، يبدأ العد العكسي للتحضيرات العملية للاحزاب والقوى السياسية للتعامل مع هذا القانون بأفضل طريقة ممكنة، اي بأكبر قدر من التمثيل في المجلس النيابي.

وفي انتظار الصيغة التي سترسو عليها النسبيّة حول اعتماد الدوائر (المرجّح ان يتم الاتفاق على 15 دائرة)، والبتّ بشكل تام بمسألة نقل نواب من اقضية الى اخرى...، تبدو الصورة الانتخابية مختلفة تماماً عن الصورة السياسية. وقد علّمتنا التجارب ان ما هو مسموح في الشأن الانتخابي، يكاد يكون محرّماً في الشأن السياسي، فتقام تحالفات انتخابيّة من هنا وهناك لا تمتّ الى المنطق السياسي بصلة، ويتقارب البعيدون ويبتعد القريبون، حتى انتهاء الانتخابات لتعود الامور الى ما كانت عليه مجدداً.

اليوم، يلامس هذا الوضع الواقع بأكثر من طريقة، وبعد ان تولى رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ تسويق الاقتراحات الانتخابية وعقد اللقاءات مع القوى السياسية، تولى النائب جورج عدوان المهمّة بدلاً منه وقام بجولات مكوكية طاولت جميع الافرقاء، وبتنا مثلاً نرى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اكثر تجاوباً مع عدوان منه مع باسيل او ما يصدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علماً ان عدوان وباسيل ومن يمثلان، اتفقا على ان يكونا في الخندق الانتخابي نفسه.

في المقابل، لا يجد تيار المستقبل حرجاً في التحالف انتخابياً مع اي طرف سياسي، شرط ان يؤمّن له "تحجيم" منافسيه وفي مقدمهم الوزير السابق اشرف ريفي والنائب خالد الضاهر... وفيما يبقى الوضع الشيعي على ما هو عليه، لا يستبعد الكثيرون امكان حصول خرق في العلاقات مع احزاب اخرى كانت حتى الامس القريب بمثابة "خط احمر" في ما خص الاتفاق على اسس ورؤية مستقبلية، ومن هذا المنحى يمكن ربما ان نشهد ما هو اقل من تحالف واقرب الى التفاهم بين حزب الله وامل من جهة والقوات اللبنانية مثلاً من جهة ثانية في دوائر معيّنة يكون للجميع فيها مصالح مشتركة تؤمّن لهم الارضية المناسبة للتفاهم.

صحيح ان القاسم المشترك بين كل القوانين الانتخابية هو بقاء التحالف الشيعي على حاله بين الحزب والحركة، وحصول "معارك" داخل البيت المسيحي والسنّي، ولكن قد يكون "الخليط" الانتخابي الجديد هو الحل لهذه المعضلة، فيجد الجميع نفسه في حاجة الى الاخر من اجل القدرة على اكمال الطريق، خصوصاً في ظل قانون النسبية الذي من شأنه ان يقرّبهم من بعضهم ولو لفترة قصيرة من الوقت.

من المبكر جداً الحديث عن رابحين وخاسرين، ولكن وفق الصورة التي بدأت معالمها تتضح، فإنه على الصعيد السياسي قد يجد التيار الوطني الحر نفسه خاسراً بسبب تراجعه في السوق السياسي مع تقدم "القوات اللبنانية" فيها ويبقى المرجّح قدرتهما على الحفاظ على التحالف بينهما، فيما سيحافظ النائب سليمان فرنجية على موقعه، ومن المتوقع ان تقلّ نسبة المسيحيين المستقلين في البرلمان وبالتالي استمرار سقوطهم السياسي.

ومن الطبيعي ان يتم توقع تعزيز رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ تواجده على الساحة السياسية بفعل الدعم السعودي الذي تأمّن له اخيراً من جهة، والحركة التي قام بها للتقارب مع مختلف الافرقاء، ما امّن له انفتاحاً على الساحة المسيحيّة، فيما يحرص على عدم قطع العلاقة مع الساحة الشيعيّة بفعل التواصل مع بري ووزراء حزب الله في الحكومة.

هل سيؤدي اقرار ​قانون الانتخاب​ الى تغيير خريطة التحالفات الانتخابية او السياسية؟ ليس من الصعب تأكيد ذلك، انما الفترة التي ستعيشها هذه التحالفات الجديدة هي التي ستكون موضع متابعة، وقد تطول او تقصر تبعاً للظروف الاقليمية والدولية بطبيعة الحال، لكنها آتية لا محال، وما على اللبنانيين الا التأقلم معها وتحمّل ما سيمنّن به السياسيون من توصلهم الى اعتماد قانون جديد للانتخاب، وكأنه انجاز ما قبله انجاز استغرق نحو ثماني سنوات ليكتمل!