شكّل الافطار الذي اقامه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا منذ ايام، فرصة مهمة لطي صفحات الخلاف (اقله انتخابياً)، ومحطة لكتابة صفحات جديدة من العلاقات بين الافرقاء اللبنانيين. ولكن، مرة جديدة ظهر رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجيه على انه يغرّد خارج سرب المصالحات، وبالتحديد القصر الرئاسي ليمعن في زيادة الشرخ الحاصل ووأد أي محاولة لاذابة الجبل الجليدي الذي تمركز على طريق بعبدا-زغرتا، حتى انه تعرض بالامس بتلميحات قوية اصابت رئيس التيار الوطني الحرّ وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ (خلال لقاء مع "مردة" بشري).

وتكثر التساؤلات في الشارع المسيحي عن سبب استمرار هذا الموقف لفرنجيه، ومن المستفيد منه؟ وماذا كان سيحصل لو حضر المأدبة الافطارية علماً ان الدعوة وجهت له كما لسواه، وبالتالي فإن البروتوكول اعتمد وفق العادة المتبعة. ان كل المؤشرات تؤكد ان المشكلة باتت شخصية بحتة، وليست اختلاف وجهات نظر في السياسة، فقد شهدت مأدبة الافطار حضور شخصيات سددت سهاماً مباشرة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة خلال القمة العربية، على غرار موقّعي الرسالة الخماسية الى القمة العربية (اي الرئيسين السابقين ​ميشال سليمان​ وامين الجميل، ورؤساء الحكومة السابقين: فؤاد السنيورة، ​تمام سلام​ ونجيب ميقاتي)، فكانوا ضمن المدعوين ولم يقوموا باتخاذ مواقف ضد رؤيتهم السياسية بغض النظر عن صوابيتها او عدمها. وهل يمكن ان ننسى حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ايضاً، ما أضفى جواً من الارتياح ظهر لدى الجميع بمجرد ان وطأت قدما بري القصر الرئاسي. وكان يمكن للنائب فرنجيه القيام بالمثل، والاحتفاظ بمواقفه مع فارق كبير اساسي، لانه بحضوره كان اكد ان العلاقة الشخصية قائمة ولو بحدّها الادنى، وان الاختلاف في السياسة باق انما لا قطيعة مع بعبدا نظراً لما تمثله.

يمكن ان يعتبر البعض من مؤيدي النائب الزغرتاوي، ان مشاركته في الافطار كانت لتأتي ضعيفة في ظل الدور الذي اضطلع به كل من بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، تحت رعاية الرئيس عون. ولكن هل بغيابه اضطلع فرنجيه بدور اكبر؟ بالطبع لا، بل امعن في ابعاد نفسه عن اجواء المصالحة. صحيح ان لا خوف على تمثيله في الدورة الانتخابية المقبلة وفق اي قانون متبع، ولكن صحيح ايضاً ان السياسة تتطلب المحافظة على شعرة معاوية، ولا يجوز تحت اي ظرف خلق صراع قد يمتدّ لسنوات بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، ليس على الصعيد السياسي بل على صعيد القاعدة ايضاً، لانه بات ككرة الثلج وهو آخذ في النمو بشكل سريع ولن يكون من السهل اعادته الى حجم طبيعي في وقت قصير.

وغني عن القول ان احداً لا يشجّع على مثل هذه القطيعة، حتى بري الذي يختلف بقوّة مع عون لم يعمد الى مقاطعته، واللقاء الذي جمع باسيل بالامين العام لحزب الله منذ ايام قليلة شكّل دليلاً حاسماً على عدم نجاح اي رهان على فصل العلاقة بين الحزب والتيار رغم الاختلافات العديدة التي ظهرت في الآونة الاخيرة في اكثر من ملف.

يتمتع فرنجيه بتأييد ومحبة "المرديين"، وكان بالامكان ان يكسب احترام الكثير من غير حزب "تيار المردة" بخطوة لم تكن لتكلفه الكثير من الجهد، انما يبدو انه اختار طريق الانفصال عن بعبدا، فهل سيستمر على هذا المسلك طوال ست سنوات ام ان الامور قد تتغير بعد الانتخابات النيابية التي، في كل الاحوال لن تجري خلال الاشهر القليلة المقبلة كما بات معروفاً؟ وماذا سيكون الثمن من الآن حتى ذلك الوقت، وما الذي سيتغيّر حتى يتم اتخاذ هذه الخطوة المنتظرة والتي من شأنها، عندما تحصل، ان تترك آثاراً ايجابية على الوضع اللبناني عموماً والمسيحي بشكل خاص؟

حتى الآن كل المعطيات تشير الى ابتعاد أفق المصالحة او كسر الجليد، انما لا يمكن استبعاد حصول تطورات قد تساهم في تليين وجهات النظر بعد اجراء الانتخابات وظهور مجلس نيابي جديد.