استعرت الامور في الخليج وبات مصير مجلس التعاون الخليجي على المحك اذا لم تنجح الوساطة الكويتية، واذا لم تبدِ الولايات المتحدة الاميركية رغبة واضحة في اعادة اللحمة الى الصف الخليجي بين السعودية والامارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية، خصوصاً وان نصف اعضاء هذا المجلس باتوا خارج الدائرة السعودية (قطر وسلطنة عمان، ومواقف مستقلة للكويت). صحيح ان اي تطور دراماتيكي لن يحصل دون موافقة اميركية صريحة، انما الامور قد تتخذ منحى تصعيدياً مقلقاً ليس لقطر فحسب بل للدول الخليجية بشكل عام، فيما قد تستفيد اميركا من هذا الشرخ الخليجي لكسب اموال اضافية.

وفيما انضمت مصر من خارج الخارطة الخليجية الى مقاطعي قطر لاسباب سياسية ومبدئية تتعلق بـ"الاخوان المسلمين"، تساءل ال​لبنان​يون عما سيكون عليه الوضع في لبنان وموقعه في ظل هذه العاصفة. لا يبدو لبنان من المعنيين مباشرة بالازمة الخليجية وذلك على الصعد كافة. فمن الناحية الاقتصادية والمالية، لم يعد بعد الاستثمار القطري الى الربوع اللبنانية كما كان وعد امير قطر خلال الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى كل من السعودية والرياض بداية العام الحالي، وبالتالي فإن التأثير المالي والاقتصادي على الوضع اللبناني محدود جداً، وهو ما ينطبق ايضاً على الصعيد السياحي لان لبنان لا يستقطب ايضاً الكثير من القطريين علماً ان اعداد مواطني هذه الامارة الخليجية غير كبير اصلاً.

اما على صعيد الرعايا اللبنانيين في قطر، فقد يتمكنون من الاستفادة اذا ما انسحب المصريون من الاسواق والمؤسسات وهم يعملون في قطر بأعداد كبيرة وبرواتب عالية في الغالب، حيث ستخف المنافسة مع اللبنانيين على الوظائف والمراكز الشاغرة.

وفي ما خص الصعيد الامني والعسكري، فقد يكون هذا الشق الوحيد الذي قد يتأثر به لبنان، اذ من المعروف ان قطر كانت تفتح قنوات اتصال المجموعات الارهابية ضمن وساطات معيّنة، وغني عن القول ان كلمتها مسموعة لدى عدد من هذه المنظمات، واذا ما تقرر قطع الحبل الذي يربط بين الاثنين، فإن هذه المنظمات ستبحث عن بديل، وهو امر سيضع اللبنانيين امام واقع جديد سيضطرون للتعامل معه الى ان يتم وضع حد نهائي للارهاب بشكل عام في المنطقة ككل.

ان المظلة الدولية التي تحمي لبنان، لا تزال قائمة، ولكن الخطورة في اي واقع يفرض تغيير المفاتيح التي تتحكم بمجموعات ومنظمات ارهابية مسلحة، يبقى مرتفعا لانه يسبب عدم استقرار لدى اعضاء هذه المنظمات الذين سيخرجون عن طرقهم المعهودة وسيكون من الصعب توقع تحركاتهم واتصالاتهم.

وفي ما خص الشق السياسي، فمن المؤكد ان لبنان لن يقف الى جانب قطر، كما انه ليس من المتوقع ان يقف الى جانب السعودية والامارات والبحرين في هذا الخصوص، وسيكون من المنطقي ان يعتبر انه لن يتدخل في الشؤون الخاصة بهذه الدول، انطلاقاً من مبدأ "لا ناقة لي ولا جمل" في هذه القضية، علماً ان قطر وقفت الى جانب السعودية والخليج ضد لبنان حين توترت الاوضاع، وحتى انها هددت مصالح بعض اللبنانيين هناك، ولكن الامور لم تتدهور الى هذا الحد في حينه، ما سمح بابقاء طريق العودة سالكة.

ويبدو للمرة الاولى ربما، ان لبنان خارج محور العاصفة الخليجية، وهو يقف اليوم موقف المتفرج الى ان ينجلي الضباب بشكل تام ويظهر المسار الذي سيتم اعتماده في التعامل مع هذه الازمة المستجدة، والتي زعزعت الوحدة الخليجية ولن يكون من السهل اعادتها الى سابق عهدها حتى لو تم تخطي هذه المرحلة، الا ان الجرح سيبقى عميقاً ومفتوحاً وقابلاً للنزف في اي وقت.