صحيح أنّ الأزمة المُتصاعدة بين كل من السعودية وقطر، ليست الأولى من نوعها، حيث سبق أنّ شهدت العلاقات الثُنائيّة سلسلة من الخضّات، كان آخرها في العام 2014، عندما سحبت بعض الدول الخليجيّة بطلب من الرياض سفراءها من الدوحة، إلا أنّ الأصحّ أنّ الأزمة الحاليّة هي الأكبر والأخطر، وهي مُرشّحة للتصاعد ما لم تُسارع القيادة القطريّة إلى الرضوخ والإنصياع إلى الشروط المطلوبة منها. فما هي خلفيّات ما حدث، وما هي إرتداداته على الساحتين المحلّية والإقليميّة، وكيف ستكون نهاية التصعيد الحالي؟.

لا شكّ أنّ الخلفيّات كثيرة، وهي تبدأ بغطاء سياسي وبضوء أخضر من جانب الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الذي لبلاده قاعدة عسكريّة ضخمة في قطر(1)، وتمرّ بلائحة إتهامات خليجيّة ومصريّة طويلة ضُد قطر تتحدّث عن تدخّل القيادة القطريّة كطرف مُنحاز ضُدّ الإرادة الخليجيّة الجامعة في كل من ليبيا واليمن، وبعدم مُجاراتها باقي دول الخليج في التصعيد مع إيران، وبانحيازها إلى جماعة "الإخوان المُسلمين" ضُدّ مصر وبتقاربها من تركيا لهذه الغاية وبتحريكها جماعات إثيوبيّة ضُدّ مصر، وبتمويلها الكثير من الجماعات الإرهابيّة مثل "القاعدة" و"داعش" و"أنصار الشريعة" وغيرها. كما لا يُخفى على أحد رفض المملكة العربيّة السعوديّة مُحاولات قطر القيام بدور قيادي إقليميًا، بشكل يفوق بكثير حجمها السياسي وثقلها العسكري، إضافة إلى تطبيقها مبدأ "خالف تُعرف" في مُقاربتها للكثير من القضايا العربيّة والإسلاميّة. ويأخذ مُعارضو النظام الحاكم في الدوحة عليه إحتضانه للكثير من القيادات الإسلاميّة المتشدّدة، وتوفيره الحماية لها، وكذلك تمويله لقناة الجزيرة الفضائيّة المُتهمة من قبل مُعارضي الدوحة ببث فكر مُتطرّف ومُعادٍ لدول الخليج العربي ولمصر وبالعمل إعلاميًا على زرع التفرقة في الشارع العربي وعلى إطلاق الإشاعات ومحاولة زعزعة إستقرار العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة.

بالنسبة إلى الإرتدادات المُتوقّعة على الساحتين المحلّية والإقليميّة، فهي كثيرة وخطيرة، الأمر الذي يُفسّر دخول أكثر من طرف على خط الوساطة لإحتواء الأزمة ولمنع تصاعدها. ويلعب حاليًا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي توجّه الثلاثاء إلى المملكة العربيّة السعوديّة دورًا محوريًا لحلّ الأزمة، في الوقت الذي تُحاول فيه أكثر من دولة إقليميّة مثل تركيا على سبيل المثال، ودَولية مثل فرنسا على سبيل المثال أيضًا، المُساعدة في إيجاد المخرج المناسب، حفاظًا على الإستقرار السياسي والأمني العام في الخليج، وحماية لمجموعة من المصالح الإقتصادية والتجاريّة المُشتركة. ومن المعروف أنّ تداعيات المُقاطعة التي أعلنت بوجه قطر في الأيّام القليلة الماضية أرخت بظلالها سريعًا على الوضع الإقتصادي والمالي في قطر التي لا يُمكنها تحمّل تبعات وإرتدادات هذه الإجراءات لفترة طويلة. وقد تأثّرت مصالح العديد من الشركات الأجنبيّة بشكل مباشرؤ أو غير مُباشر بما حدث، في الوقت الذي سادت أجواء القلق في صُفوف سُكّان قطر، إن من القطريّين أو من الأجانب، ومن بينهم بطبيعة الحال الكثير من اللبنانيّين الذين يعرفون تمامًا أنّ إطالة أمد الأزمة الحالية أو تصاعدها يعني حُكمًا إضطرارهم إلى العودة إلى لبنان.

وبالنسبة إلى التوقّعات بشأن كيف ستكون نهاية التصعيد الحالي، فبحسب المعلومات إنّ الإجراءات الأخيرة ضُدّ قطر ليست مرحليّة أو إستعراضيّة، بل هي ستتواصل وتتصاعد تدريجًا إلى حين رضوخ أمير قطر ​تميم بن حمد​ خليفة آل ثاني إلى سلسلة من الشروط القاسية، على المُستويات السياسيّة والإعلاميّة. وقد بدأ تحريك شخصيّات قطريّة مُعارضة لنظام الحُكم في الدوحة(2)، في الوقت الذي تمّ عمدًا تسريب أكثر من معلومة بشأن وجود إحتمالات كبيرة بحُصول إنقلاب عسكري يُطيح بالقيادة القطريّة الحاكمة، بدعم خارجي مُباشر أو من دونه، تبعًا للتطوّرات الميدانيّة. وخوفًا من هذا الأمر، أعلنت السُلطات الأمنيّة في قطر حال الإستنفارفي مختلف القطاعات العسكريّة والأمنيّة، ونشرت تعزيزات حول مختلف المقرّات الرسميّة التابعة للدولة، في الوقت الذي بدأ فيه تطبيق إجراءات طوارئ في البلاد. وفي إطار الضُغوط النفسيّة على القيادة القطريّة الحاليّة جرى تعميم ما قيل بأنّها وثيقة رسميّة مُسرّبةمن الديوان الأميري القطري تتحدّث عن تعليمات بشراء قصر في إيران وعن تجهيز طائرة مُخصّصة للحالات الطارئة لنقل الأمير القطري في حال حُصول أي تطوّرات داخليّة خارج السيطرة. إشارة إلى أنّ الجيش القطري محدود الحجم جدًا، حيث يقلّ عدد أفراده عن 15000 ضابط وعسكري، ما يجعل من السهل الإطاحة بالحُكم، في حال إتخاذ أيّ قرار إقليمي-دولي بذلك، وخُصوصًا في حال سحب الغطاء العسكري الأميركي عن القيادة الحالية الحاكمة.

في الختام، لا شكّ أنّ قطر تُعتبر من أكثر الدول المُثيرة للجدل، كونها تلعب دورًا إقليميًا وحتى عالميًا يفوق حجمها الفعلي، والأغرب أنّها تقيم علاقات مُتناقضة تمامًا، حيث أنّها مثلاً مُتّهمة بتمويل الجماعات الإسلاميّة الأكثر تطرّفًا، مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرهما، وهي في الوقت عينه تحضن أكبر المعسكرات العسكريّة الأميركية في المنطقة وتتواصل بفعاليّة مع إيران، وهي تقيم أيضًا علاقات تجارية وإقتصادية قوية مع إسرائيل وفي الوقت عينه تحمل لواء الدفاع عن الحُقوق العربيّة وتدعم حركة "حماس" بالمال، إلخ. ويبدو أنّ الوقت قد حان لتغيير هذا الأمر بقرار إقليمي ودَولي، حيث أنّ الخيارات تتراوح بين إنصياع القيادة القطرية بشكل كامل للشروط المَفروضة عليها، أو أنّ العمل على إطاحتها سيتواصل ويتكثّف بوتيرة سريعة وتصاعديّة.

(1) تُعتبر قاعدة العديد الجويّة العسكريّة والتي تقع غرب الدوحة أحد أكبر مخازن الأسلحة الأميركية في المنطقة، وهي تضم أحد أطول المدرجات في العالم، وتُعتبر مقرًّا للقيادة المركزيّة العسكريّة الأميركيّة في الشرق الأوسط، ويتواجد فيها بشكل دائم آلاف العسكريّين الأميركيّين.

(2) من بينها خالد الهيل الذي يعيش في لندن ويُعتبر من أشهر المُعارضين للنظام القطري.