من يتابع مواقف الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ بالنسبة الى الازمة التي تعصف في الخليج حالياً، يكاد يصاب بجنون موقّت او بحال من قلة الثقة التحليلية في السياسة، فسرعة الانقلاب في المواقف "الترامبية" بين ليلة وضحاها لم يعتد عليها احد من كبار المحللين والمتابعين.

بداية، لا بد من الاشارة الى ان من يتم الحديث عنه هو رئيس الولايات المتحدة الاميركية، اي (حتى اليوم)، اعظم دولة في العالم وهي التي تقرر مصير دول عدة وتتحكم بتطورات مناطق اساسية في دول العالم. الخروج عن التقليدي ميزة طبعت تصرفات ترامب، فهو يطلق مواقفه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويعطي رقم هاتفه الشخصي لقادة دول عالمية خارج الاطر الدبلوماسية المتعارف عليها... ولكن ما يحيّر بالفعل هو طريقة تعاطيه مع الازمة الخليجية الاخيرة. ففي وقت تم اتهام ترامب بالتسبب بالعاصفة التي ضربت العلاقات بين عدد من دول الخليج وقطر وصلت الى حد القطيعة (ولم يتبق سوى اعلان حال الحرب)، غمز ترامب من قناة قطر على انها مساندة وداعمة وممولة للارهاب. وبعد اقل من 24 ساعة، تراه يتصل بأمير قطر ويعلن استعداده للتدخل لحل الازمة، حتى انه دعاه الى البيت الابيض لبحث المشكلة.

العقدة في تحليل مواقف ترامب تكمن في مقاربة مواقفه من الناحية السياسية، وهو امر لن يوصل الى نتيجة سوى تعقيد الامور. اما الحل فيكون بمقاربة هذه المواقف من خلال رؤية اقتصادية مالية، فترامب هو قبل كل شيء رجل اعمال، وكل شيء بالنسبة اليه يتعلق بالاموال اولاً واخيراً، وزيارته الى السعودية كفيلة بتبديد اي شك حول هذا القول. لا شك ان الرئيس الاميركي اخذ في الاعتبار ان قطر دولة صغيرة ولكنها فاحشة الثراء واستثماراتها في اوروبا وآسيا تتحدث عن مدى الاموال التي تمتلكها، كما ان العدد القليل للمواطنين القطريين يجعل منهم اثرياء منذ الولادة. وانطلاقا ً من المبدأ الذي نادى به من ان على السعودية ان تدفع لاميركا من اجل حمايتها ( وهذا ما حصل)، قرر على ما يبدو ان يعتمد طريقة مماثلة مع الدوحة وتقضي بأن تدفع لاميركا ثمن خروجها من المأزق الذي تم وضعها فيه.

لن يبخل الامير الخليجي حتماً بألاموال لايجاد مخرج للمشكلة، وهو يستوحي بطبيعة الحال من والده ما فعله سابقاً لارضاء الاميركيين حيث انشأ قاعدة "العديد" بمبلغ يناهز المليار دولار اميركي وتعتبر الاكبر في الشرق الاوسط، وتستقبل نحو ألف جندي اميركي، كما تتحكم بالعمليات في سوريا والعراق وافغانستان، ناهيك عن مراكز الاستخبارات والمراقبة التي تحتويها. هذا الاستعداد سيكون المدخل الصحيح لانهاء الازمة الحالية، وسيحافظ ايضاً على حياة ​مجلس التعاون الخليجي​ الذي انقسم على نفسه (انضمت الامارات والبحرين الى السعودية فيما ترددت انباء عن نية سلطنة عمان مغادرة المجلس قبل الازمة وتم عزل قطر، فيما تستفيد الكويت من موقف مستقل).

يبقى معرفة قيمة المابلغ التي سيقبل بها ترامب لفك العزلة الخليجية عن قطر، واعادة الامور الى مسارها الطبيعي، علماً انه من الناحية السياسية، كانت الاوضاع لتزيد تعقيداً لو ذهبت في اتجاه التصادم الخليجي-الخليجي لان تركيا كانت دخلت على الخط ميدانياً، فيما الخوف الاكبر كان من امكان دخول ايران على الخط الميداني ايضاً، فتزداد المخاطر بالنسبة الى الدول المجاورة لقطر فيما يزداد النفوذ "الشيعي" في ملعب البيئة "السنّية" مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على الصورة القوية للسعودية وتحكمها بالاوضاع في الخليج بشكل عام.

ولعل النصيحة باتّباع مقاربة اقتصادية ومالية لمواقف ترامب كفيلة باظهار الصورة الجديدة التي ترسم للمنطقة، فهل تولى اميركا كسب المغانم وتتولى روسيا الوضع الميداني؟.