في كل عام تعيش ​مدينة طرابلس​ أبهى الليالي في ​شهر رمضان​ المبارك، حيث يتحول ليلها الى نهار وتعج شوارعها بالمواطنين وتصدح اصوات الأدعية والتكبير من منابر المساجد.

على الرغم من الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الطرابلسيون، الا ان شهر رمضان هو شهر الخير حيث يبدأ المواطنون بالاستعداد له قبل أسابيع من قدومه، لتأمين حسن استقبال الصوم.

تعتبر الموائد الرمضانيّة التي يعد لها الفقير قبل الغني من الطقوس التقليدية، وهي مميّزة في طرابلس نتيجة ما تضم من أطعمة غذائية متنوعة، حيث لا تكاد مائدة تخلو من الوجبات الاساسية الطرابلسية كصحن الحمص وفتة الحمص (التسقية) والكبة النية والفتوش والشوربة وورق العنب بالزيت وبابا غنوج، إضافة الى مناسف الرز على مختلف اشكالها والمحاشي الى جانب حلويات رمضان والتي تعتبر من الاطباق الرئيسية اليومية كحلاوة الجبن، والقطايف والكلاج والعثمليّة وورد الشام والبصمة والكربوج والمهلبية وغيرها من الحلويات اضافة الى عصير التوت والخرّوب وقمر الدين.

واللافت في مائدة رمضان الطرابلسية عمل الجمعيات ولجان المساجد على توزيع الطعام على من هو بحاجة يوميا مع الحلويات والفواكه اضافة الى توزيع ملابس العيد الجديدة.

السهر بطعمه الخاص

قبل السهر يتوزع اللبنانيو بعد الافطار على مساجد المدينة للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وإحياء ليلة القدر حيث يواصل المصلون الدعاء حتى الفجر، كذلك يحرص المؤمنون يوميا على تأدية صلاة التراويح بعد آذان العشاء مع احياء أمسيات دينية.

وينشط في هذا الشهر أيضًا إحياء "الفتلة المولوية" والتي تعتبر من تراث المدينة الديني، لما تحمل هذه الشعائر من معانٍ روحية دينية، اشتهرت بتنظيمها الفرق المولوية التي حرصت على المشاركة في ليالي خان العسكر التي تنظم احتفالات دينية من وحي رمضان.

كما يزور أهالي المدينة الأثر النبوي في المسجد المنصوري الكبير، وهو عبارة عن شعرة واحدة يعتقد أنها من لحية النبي محمد، حيث يتزاحم المؤمنون لتقبيل هذا الأثر الشريف والتبرك منه. وتجول الفرق الصوفيّة قبل حلول الشهر المبارك وخلاله في شوارع المدينة، يردد المشاركون فيها الأناشيد والمدائح النبوية والأشعار لشهر الصوم.

عادات تغيّرت

بعد ان كانت الاحياء الشعبية سبّاقة في احياء هذا الشهر الفضيل حيث كان معظم أهل المدينة يقصدون مناطق باب الرمل والقبة والاسواق للاستمتاع بتناول الكعك الساخن وشرب القهوة في المقاهي والنراجيل، أصبح شارع الضم والفرز مقصدا لكل الطرابلسيين والزوار من المناطق المجاورة نتيجة سلسلة المطاعم والمقاهي المنتشرة على طول الطريق بالاتجاهين.

وبعد ادخال شهر رمضان المبارك في المنافسة التجارية حيث تزدحم شاشات التلفزة بالمسلسلات اللبنانية والسورية والمصرية اضافة الى برامج اللهو والكوميديا، نجحت هذه الظاهرة في التشويش على العادات والتقاليد حيث كانت العائلات تمضي شهر رمضان بزيارة الاقارب والاصدقاء وتمضية ليالي رمضان في ختمية القرآن. اما اليوم فهذه العادات تراجعت الى حد ان معظم العائلات الغتها وتحولت المقاهي الى مقصد الاقارب والاصدقاء.

ترتدي طرابلس اليوم الحلّة الرمضانية بكامل زينتها المنتشرة في كل الشوارع المضاءة بأنوار الإيمان المتجذر في مدينة العلم والعلماء، وهي بانتظار الزوار الذين يرغبون في عيش التجربة الروحانية التي تؤمنها طرابلس في شهر رمضان المبارك.