سيطرت الصدمة مساء يوم الجمعة الماضي على مجمل قياديي المعارضة كما على الخبراء والمعنيين المباشرين بالملف السوري بعيد الاعلان عن وصول اولى وحدات ​الجيش السوري​ وحلفائه الى الحدود السورية ​العراق​ية في شمال شرق التنف. حتى أن الفصائل المقاتلة في المنطقة هناك والمدعومة بشكل مباشر من واشنطن وأبرزها "جيش مغاوير الثورة" الذي يتخذ من قاعدتي التنف والزكف قواعد مشتركة مع جنود أميركيين وبريطانيين، لا يزال يرفض حتى الساعة الاقرار بوصول أخصامه الى المنطقة الحدودية ويؤكد ان عشرات الكيلومترات لا تزال تفصلهم عن عملية وصل حدود سوريا بالعراق.

الا أن كل المعطيات والمعلومات كما الصور والأفلام الواردة من هناك تؤكد ان بعض الوحدات من الجيش السوري، وبشكل اساسي مجموعات محسوبة على ​ايران​ باتت فعليا على الحدود شمال شرق التنف وتنتظر وصول الحشد الشعبي لملاقاتها قريبا باعتبار ان عناصر "داعش" لا زالوا يسيطرون على المنطقة العراقية المقابلة. وليس التقاء القوات المحسوبة على طهران من جهتي الحدود الا مسألة وقت، ما يعني تحقيق الهدف الايراني الاستراتيجي بفتح طريق بغداد-دمشق برا، ومن خلفها طريق بيروت-طهران، وهو ما كان يجزم قياديون في المعارضة، كما خبراء بالملف السوري باستحالته حتى قبل ساعات من حصوله، متمسكين بموقف أميركي ظنوا أنّه حازم بالتعاطي مع هذه المسألة. ولا يجد هؤلاء مبررا لرضوخ واشنطن للأمر الواقع، وترجّح مصادر معنيّة بالملفّ أمرًا من اثنين أدّى لتحقيق ايران هدفها تحت أنظار واشنطن، اما تقصير قوات التحالف وعناصر المعارضة العاملين في المنطقة، وهو أمر مستبعد، او عدم رغبة أميركية في التصعيد، وبالتالي باعلان فتح مواجهة مباشرة ايرانية-اميركية في الداخل السوري، وهو الأمر المرجّح. وتضيف المصادر: "يبدو ان الخطة الاميركية التي تم الترويج لها والتي تقضي بالحد من النفوذ الايراني في المنطقة وتقليصه الى حدوده الدنيا، لم تتبلور معالمها النهائية بعد، كما ان الأولويات الأميركية في الداخل السوري لم تُحسم بعد، ما أدّى لاستفادة طهران الممسكة الى حد بعيد بزمام اللعبة الميدانية من هذا التخبط الأميركي، والقيام بعملية التفاف على المنطقة التي رسمت حولها واشنطن خطا أحمر في التنف ومن ثم توجيه الضربة القاضية بالوصول الى الحدود مع العراق".

وليس ما حصل مؤخّرًا بأمرٍ عابرٍ في سياق الأزمة السورية، بل يُعدُّ حدثا كبيرا يحتاج لاعادة قراءة الخريطة السوريّة من جديد، لا سيّما وأن العملية التي قادتها طهران سبقها تحذيرات أميركية متتالية، جاءت على شكل ضربات محددة استهدفت القوات المتجهة الى التنف ظنّ البعض ان موسكو تغطّيها. الا ان المستجدات التي شهدتها تلك المنطقة في الايام القليلة الماضية، كما التصريحات الرسمية الروسية التي واكبتها، تؤكّد بما لا يقبل الشك وجود صراع روسي-أميركي خفي حول المنطقة هناك يتلطى خلف الصراع الاميركي-الايراني المعلن. ولعل ما يجب التركيز عليه هو أنّ عملية وصل الحدود والتي هي هدف ايراني، لا تقتصر على اعادة فتح الطريق البري بين دمشق وبغداد، بل تقطع الى حد بعيد الطريق على قوات المعارضة المحسوبة على واشنطن كما على قوات التحالف الدولي التي تحارب الى جانبها، وهي التي كانت تتجهز للتوجه من التنف الى دير الزور، وهنا المصلحة الروسية بتغطية كامل العملية التي تمت الأسبوع الماضي.

وان كان هناك من لا يزال يتحدث عن "لغز" مكّن قوات النظام السوري وحلفائه من الوصول الى الحدود قاطعين بوقت قياسي حوالي 100 كيلومتر، الا ان ما يمكن الجزم به ان ما حصل صفعة كبيرة تلقتها واشنطن لا شك ستفعل فعلها داخل الادارة الاميركية الجديدة.