اقتضى الامر زيادة مضطردة في ​جرائم القتل​ لاسباب تافهة وسخيفة، وسقوط شباب في ربيع العمر، من اجل عودة أحكام الاعدام الى الواجهة. من المؤسف فعلاً ان اسباب الموت تتكاثر، ولسنا بحاجة في لبنان الى اسباب اضافية من اجل خطف ارواح مواطنين تمكنوا بأعجوبة من تخطي تحديات الارهاب والتفجيرات والضغوط الحياتية والاجتماعية...

هزّت جريمة قتل الشاب روي حاموش الضمائر فعلاً، وقبلها جريمة قتل جورج الريف وغيرهما، وحرّكت العواطف والمشاعر الانسانية التي طغى عليها الحزن والغضب، فكانت المطالبة بعودة الاعدام الى الساحة، حتى ان الامر اثير على اكبر الصعد بعد ان تحدث به رئيس الجمهورية ووزير الداخلية.

من الناحية العاطفية، لا يمكن الا القبول بالاعدام كقصاص للمجرمين الذين يقتلون الناس بدم بارد ولاسباب فارغة، مثل رؤوسهم التي فرضت ثقلها الخارجي على اكتافهم فيما بقي مضمونها فارغاً من اي ثقل فكري. وبالنسبة الى الاهل، لا يمكن لاحد ان يشعر بما يشعرون به، ويحق لهم قول ما يريدون جرّاء لوعة القلب وحجم المأساة التي اصابتهم، رغم ان اعدام القاتل لن يعيد الضحية الى الحياة، ولكنهم يعتبرون ان العقوبة قد تردع آخرين عن استسهال القتل.

اما من الناحية السياسية، فالامر يتخذ منحى آخر، لان المسألة اكثر تعقيداً، فخلفيات اي قرار يتخذه سياسي او مشرّع انما ينطلق اولاً من حسابات الربح والخسارة (انتخابياً وشعبياً)، قبل ان يلجأ الى النصوص القانونية وغيرها. ومعلوم ان لبنان ليس غريبا عن حالات الاعدام، ولكنه اوقف العمل بها نزولاً عند طلب الاتحاد الاوروبي اولاً، وبطلب من مجموعات ولجان حقوق الانسان ثانياً. فالاوروبيون يعلقون اهمية كبيرة على الغاء هذه العقوبة، ولعل ما حصل في الازمة الاخيرة مع تركيا وموقف اوروبا من تهديد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان باعادة العمل بقانون الاعدام، خير دليل على ذلك.

وسيتعرض لبنان لحملة ضغوط سياسية وانسانية لمنع عودة الاعدام الى ساحاته، ويمكن لبعض الدول الكبرى استغلال العامل الانساني في كثير من الاحيان كبابٍ لاحداث تغييرات عديدة في بلد ما. من هنا، قد لا يكون من السهل اتخاذ قرار سياسي بهذا الشأن رغم ان الطرح صدر عن مراجع عليا في هذا السياق. ولن يكون القضاء مشكلة امام العودة للعمل بالاعدام، فالنصوص موجودة ويمكن اعتمادها فور توافر القرار السياسي، مع العلم ان مسألة العفو (التي تصدر عن رئيس الجمهورية في هذا الشأن) شبه محسومة استناداً الى المواقف الصادرة عن الرئيس ميشال عون.

وبين الموقف الانساني والموقف السياسي، يمكن الاحتكام الى ركن اساسي قد يمثّل دور الحكم بين المواقف المتناقضة، وهو "الهيبة" التي يفرضها الامن والقضاء. وللاسف، فإن الشقين مفقودان في لبنان، فالهيبة الامنية يعمل على استعادتها من جديد بعد ان تدهورت تماماً وسادت فترة اعتُبر فيها التعرض لضباط وعناصر المؤسسات الامنية امراً عادياً، فيما لا يزال القضاء يقاتل لاعادة الاعتبار اليه واقناع الناس بأنه موجود بالفعل وليس فقط بالقول. وفي حالة قاتل الشاب حاموش مثلاً، قد تم الكشف عن انه مطلوب بموجب مذكرات توقيف ومن اصحاب السوابق غير النادمين على افعالهم، والذين يشكلون خطراً على الآخرين، فلماذا لا يزال مثل هذا الشخص طليقاً في بادىء الامر؟ وهل من الغريب فعلاً ان يلوّث يديه بدم بريء؟.

وعلى الرغم من أنّ عقوبة الاعدام هي لحث المجرمين على التفكير مرتين قبل الاقدام على خطوتهم، فإن من المهم كذلك معرفة ان القضاء والقوى الامنية ستكون صارمة في تطبيق صلاحياتها في هذا الخصوص، وانه حتى في غياب الاعدام، فإن السجن مدى الحياة ربما، سيجعل كل مجرم يدرس خطوته بتمعن اكبر قبل تنفيذها، فالسجن يشكل عذاباً اكثر من الموت بطبيعة الحال، واذا كان مؤبداً فإن نتائجه تكون كارثية دون شك.

من هنا الحاجة الى عودة "الهيبة" الى لبنان، وعندها فقط يمكن للبحث في عودة قانون الاعدام ان كان يحمل معه جدوى وحلولاً ناجعة لمنع "تصفية" شبابنا، وفصل "الزعران" عن "الاوادم".