كثر الحديث عن ان الاسبوع الجاري هو اسبوع الحسم في ​قانون الانتخاب​ وان جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشكل المعبر الاول الالزامي الى اقرار هذا القانون في مجلس النواب. ولكن، بعدها بقليل، صدر كلام وانباء عن ان هذا الاسبوع قد لا يكون حاسماً، وقد يحتمل بعض التأجيل لتذليل عقبات بسيطة لن تحول دون اقرار القانون، انما الى تأجيله فقط.

لم تعد مفردات كـ"الحسم" تجدي في لبنان، لاننا اعتدنا تخطي المواعيد والاستحقاقات اذا ما كان الوضع الامني يسمح بذلك، وتعطي هذه الكلمة معناها الحقيقي فقط في المسائل الامنية والعسكرية. الواقع حالياً هو ان "مباراة" على اقرار قانون الانتخاب بدأت بالفعل، وستقام في ملعب رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد ان طالت التحضيرات لها وتم تأجيلها اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة.

ملعب الحريري يستضيف الفصل الاول من المباراة، وهو لا يرغب بالخروج بنتيجة "تعادل" لانها ستؤدي الى التصويت، ما قد يخلق مشاكل وتعقيدات كبيرة سترخي بظلالها على الفصل الثاني الذي سيستضيفه ملعب بري في البرلمان. في الجلسة الحكومية المرتقبة، يعوّل الحريري على لاعب مهم في المعادلة وهو رئيس الجمهورية، الذي وان كان لا يحق له التصويت، يبقى حضوره المعنوي والدستوري ذو قيمة اساسية، ومن مصلحته ان يصدر عن الجلسة التي يرأسها، اتفاق على مشروع قانون للانتخاب. هذا فعلياً ما يراهن عليه الحريري للخروج من هذه الازمة ونقل المسألة برمّتها الى البرلمان حيث سيكون بري اللاعب الابرز.

في المقابل، يستعجل الرئيس ميشال عون اخراج القانون من الرحم الحكومي بالسرعة اللازمة، لان التوتر بدأ يشتد، واذا كان قد نجح في تخطي مشكلة كبيرة مع بري في مرحلة سابقة، فقد لا تتكرر الفرصة في الفترة المقبلة، ويمكن عندها ان نشهد "تكسير عظم" بين بعبدا وعين التينة يهدد بشلّ البلد على الصعيد السياسي والاقتصادي، وهو ما لا يصب بطبيعة الحال في خانة العهد والتغيير الذي ينشده.

في الواقع، وبعد كلام الحريري عن طيّ صفحة الستين والتأكيد على اقرار قانون الانتخاب، من المنصف القول ان الشكل العام للقانون اصبح على طاولة التشريح، وان كل ما عدا ذلك سينقل الى ساحة النجمة.

وتحت قبة البرلمان، يتوقع ان تحصل بعض التعديلات، انما وفق السقف المحدد اي لا خلاف ولا تطيير للجلسات، ولا رابح أو خاسر بالمطلق، لان ما سيخسره اي طرف في هذه الجولة من اقرار القانون سيحرص على اضافته في الجولة المقبلة منه وبشكل مضمون، وسيكون ذلك مكسباً معنوياً له، تماماً كما هي عليه الصورة اليوم بعد الاعلان عن اتفاق على النسبية، اذ لم يكن هناك خاسر بالمطلق، بل ركب الجميع قطار الربح واخذ كل طرف يعلل اسباب مشاركته في الانتصار.

لم يعد مقبولاً استعمال كلمة "حسم" في المصطلحات اللبنانية السياسية، وقد يصح الاستعاضة عنها بكلمة "تشويق" لان نهاية كل موضوع او مسألة عالقة في لبنان تنتهي بعد تشويق يطول لاسابيع واشهر وربما لسنوات، واللافت ان احداً من السياسيين لا يملّ من اطالة عمر هذه المرحلة المشوّقة التي تبقي اللبنانيين على اعصابهم وتنقلهم من حالة الى اخرى ومن تحد الى آخر.

ومع احترام نظرة المتشائمين الذين يذكّرون انه تم خلال تولي ​نجيب ميقاتي​ رئاسة الحكومة، تحويل مشروع قانون انتخابي الى مجلس النواب دون اقراره، فإن الواقع الحالي يختلف عن السابق وفرص ابصار القانون النور بشكل رسمي تتنامى، ولن يفاجأ احد اذا ما انجز مجلس النواب مهمته في جلسة 16 الحالي، ليبدأ مشوار الاعداد للانتخابات وندخل مرحلة جديدة من "التشويق" لمعرفة مدى القدرة على الالتزام بالمدة التي سيتم تحديدها لاجراء الانتخابات عملياً.