منذ اليوم الأول لإنفجار الأزمة الخليجية بين قطر والإمارات والسعودية والبحرين، بالإضافة إلى مصر وغيرها من الدول الأخرى، طرحت الكثير من التساؤلات حول تداعيات هذا الأمر على واقع الأزمة السورية، لا سيما بين الفصائل المعارضة التي تدين بالولاء إلى المحورين: المحور التركي القطري والمحور السعودي الإماراتي، خصوصاً أن كل محور حرص على دعم فصائل محددة منذ بداية الحرب السورية، فالأول فضل تلك ذات التوجهات الإسلامية، في حين أن الثاني حرص على الإبتعاد عن هذا النوع من الفصائل إلى حد بعيد.

الصراع بين الفصائل المنضوية ضمن المحورين ليس بالجديد، بل على العكس من ذلك شهدت الساحة السورية جولات عنف متعددة في فترات سابقة بينها، كان آخرها ما حصل في الغوطة الشرقية بين "جيش الإسلام" المدعوم من الرياض و"فيلق الرحمن" المدعوم من الدوحة وأنقرة، الأمر الذي برر المخاوف التي عبرت عنها قوى وشخصيات سورية معارضة، بينما في المقابل تراهن دمشق على هذا الواقع لكسب المزيد من الأوراق الرابحة.

على هذا الصعيد، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذا الواقع يمكن تفصيله من خلال الإشارة إلى جبهتين: الشمالية والجنوبية، حيث تدعم أنقرة والدوحة الفصائل العاملة في الشمال السوري بشكل كبير، في حين تدعم الرياض وأبو ظبي تلك العاملة في الجنوب السوري، والتي تعمل ضمن برامج مدعومة من وزارة الدفاع الأميركية عبر الحدود الأردنية، وتلفت إلى عامل آخر من الممكن التركيز عليه يتعلق بالصراع بين الأكراد والأتراك.

وتوضح هذه المصادر أنه مع إحتدام الصراع بين الحكومة التركية و"قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، برزت إلى الواجهة معلومات مفادها أن السعودية والإمارات عرضت الدعم على تلك القوات، بالرغم من العداء المعروف بين تلك القوات وأنقرة، وتلفت إلى أن هذا الأمر كان مؤشراً إلى تضارب المصالح بين الجانبين على نحو غير مسبوق، بالرغم من حرصهما في تلك الفترة على تأكيد التعاون والتنسيق في الملف السوري.

من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ واشنطن، لا سيما في المرحلة التي تلت فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية لم تكن بعيدة عن هذا التوجه، لا سيما بعد أن أرسلت أكثر من إشارة إلى أنها تنوي الإعتماد على الأكراد وقوى عشائرية مدعومة من الرياض وأبو ظبي في معركة تحرير مدينة الرقة من عناصر تنظيم "داعش"، على حساب فصائل أخرى مدعومة من أنقرة ذات توجهات إسلامية، أبرزها حركة "أحرار الشام"، في حين بات من المعروف أن الدوحة ليست بعيدة عن هيئة "تحرير الشام"، التي تعتبر جبهة "النصرة" سابقاً عمودها الفقري، بالرغم من تصنيفها من جانب الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

إنطلاقاً من هذه التناقضات، توضح المصادر نفسها أن العلاقة بين واشنطن وأنقرة، فيما يتعلق بالملف السوري، ليست على أحسن حال منذ أشهر طويلة، الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال الإعلان الأميركي عن تسليح "وحدات حماية الشعب" قبل أيام من موعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب

أردوغان، لا بل أن الولايات المتحدة تراهن على الرياض وأبو ظبي للمشاركة بقوات برية في العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وهو ما تمت الإشارة إليه في البيان الصادر عن القمّة العربية الإسلامية التي عقدت في العاصمة السعودية خلال زيارة ترامب.

بالإضافة إلى كل ما تقدم، هناك إشارة لا ينبغي تجاهلها على الإطلاق، تقوم على التقارب الذي ظهر بين الحكومتين القطرية والإيرانية على خلفية الأزمة الخليجيّة، حيث لم تتأخر طهران في الإعلان عن إستعدادها لمساعدة الدوحة على الصمود في مواجهة الحملة التي تشن عليها، نظراً إلى أن أي تعاون بين الجانبين من المفترض أن يكون له تداعيات على مسار الأزمة السورية، وحتماً ستكون فصائل المعارضة هي الخاسرة الأكبر منه، وهو ما ظهر سابقاً عبر التعاون بين أنقرة وموسكو وطهران.

في المحصلة، تنظر المعارضة السورية بعين القلق إلى تصاعد الأزمة الخليجية، وهي تخشى أن تدفع ثمنا باهظاً لها في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا ما دفعت الإجراءات المتخذة من جانب الرياض وأبو ظبي، الدوحة إلى الحضن الإيراني أو على الأقل إلى التخفيف من حدة موقفها.