بعد أن جرى تقديم سلسلة من التنازلات المُتبادلة والسريعة، والتي كان للتيّار الوطني الحُرّ نسبة كبيرة منها في مُقابل حُصوله على مطلب "الصوت التفضيلي" في القضاء وليس في الدائرة الإنتخابيّة، سَلك قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد طريقه إلى الإقرار بسرعة أكبر مِمّا كان مُتوقّعًا، إلى درجة بات معها الحديث حاليًا عن طبيعة التحالفات التي ستقوم عشيّة الإنتخابات، وعن النتائج المُتوقّعة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي، بحسب التكهّنات والمعلومات المُتوفّرة.

أوّلاً: بالنسبة إلى كل من "حزب الله" و"حركة أمل" فهما سيُشكلان لوائح مُشتركة، وسيعملان على إنجاحها بأكملها قدر المُستطاع، وعلى منع أيّ إختراقات لها. وسيتمّ ترتيب أسماء المُرشّحين بشكل مُنصف للطرفين، أي إسم من "الحزب" وإسم من "الحركة" نزولاً إلى أدنى اللائحة، مع توافق مُسبق على "الصوت التفضيلي" في أغلبيّة الدوائر. ومن المُتوقّع أنّ يُحافظ "الثنائي الشيعي" على حجمه النيابي الحالي، مع إحتمال خسارته مقعد هنا أو هناك، خاصة في بعبدا وبعلبك-الهرمل مثلاً، في مُقابل توقع أن يكسب مقاعد عدّة لشخصيّات حليفة ضُمن "8 آذار" في مجموعة منوّعة من الدوائر.

ثانياً: بالنسبة إلى كل من "التيّار الوطني الحُرّ" وحزب "القوات اللبنانيّة"، فإنّ لا قرار نهائيًا حتى الساعة لجهة كيفيّة التعامل مع الإستحقاق الإنتخابي، لكنّ الترجيحات الأوّلية تتحدث عن لوائح مُشتركة في بعض الدوائر، وعن لوائح مُتقابلة في دوائر أخرى، كما حصل في بعض الأماكن خلال الإنتخابات البلديّة الأخيرة. ويُحكى عن إمكان قيام كل من "التيّار" و"القوّات" عَمدًا بتشكيل لوائح مُتقابلة في عدد من الدوائر، إنطلاقًا من مبدأ "الشريك المُضارب"، بهدف وُصول شخصيّات "عَونيّة" و"قوّاتيّة" في أعلى تراتبيّة كل من اللائحتين، على حساب شخصيّات أخرى أقلّ تمثيلاً. وبالنسبة إلى النتائج المُتوقّعة فإنّ "التيّار" سيخسر حتمًا مجموعة من المقاعد النيابيّة في دوائر إنتخابيّة كان يُسيطر عليها كليًا في نظام الإنتخاب الأكثري مثل كسروان وجبيل وجزين وغيرها، لكن مع النظام النسبي ستكون نتائجه فيها أقلّ بروزًا. لكن في المُقابل، سينجح "التيّار" في الدُخول إلى دوائر إنتخابيّة كان غائبًا عنها، على الرغم من إمتلاكه فيها قواعد شعبيّة لا بأس بها، مثل الشوف وعكار وبيروت الأولى وغيرها. أمّا حزب "القوّات" فمن المُتوقّع أن ينجح باختراق أكثر من دائرة إنتخابيّة يملك فيها شعبيّة تخوّله الإنضمام إلى لائحة الفائزين فيها، في حال أحسن عقد التحالفات المَيدانية، ومن المُرجّح أن يتمكّن بالمحصلة العامة من رفع حصّته النيابيّة مُقارنة بما هي عليه اليوم.

ثالثًا: بالنسبة إلى "تيّار المُستقبل" فإنّ تحالفاته غير مُقرّرة نهائيًا بعد، حيث أنّها مفتوحة على كل الإحتمالات، بسبب عدم وُضوح سياسته الإنتخابية المُقبلة إن إزاء "التيار الوطني الحُرّ" أو "القوات اللبنانيّة" أو "الحزب التقدمي الإشتراكي" أو حتى إزاء بعض خُصوم الأمس، كما هي الحال في دائرة "طرابلس-المنية-الضنيّة" مثلاً. وفي إنتظار وضوح تحالفات "المُستقبل"، من المُرجّح أن تتراجع سيطرته الحاسمة على العديد من الدوائر وفق القانون الأكثري، بشكل واضح مع إعتماد نظام التصويت النسبي، وبالتالي من المُرجّح أن يتراجع عدد نوّاب كتلته النيابيّة الأكبر في مجلس النواب الحالي في مجلس النوّاب المُقبل، علمًا أنّه سيُواجه مُنافسة قاسية للإحتفاظ بالمقاعد الخاصة بالطائفة السنّية ضُدّ مُعارضين لسياسته وكذلك من قبل مُزايدين على هذه السياسة. والصُعوبة الأكبر التي يُتوقّع أن يُواجهها "تيّار المُستقبل" تكمن في الإحتفاظ بالمقاعد العائدة للطائفة المسيحيّة في العديد من الدوائر، خاصة في عكار وبيروت الأولى والبقاع الغربي.

رابعًا: بالنسبة إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي"فإنّ تحالفاته الإنتخابيّة ستكون مَصيريّة بالنسبة إلى نفوذه السياسي في دائرة "الشوف-عاليه"، علمًا أنّه سيكون مُضطرًا لتقديم تنازلات قاسية للدخول في تحالف مع أيّ من طرفي "الثنائي المسيحي" أو مع كليهما. كما سيكون الحزب الإشتراكي مُضطرًا أيضًا إلى ترتيب علاقته مع "المُستقبل" إذا أراد الإستفادة من الثقل السنّي في إقليم الخروب أو بالإحتفاظ بمقعديه في بيروت الثانية أو في البقاع الغربي-راشيا. وفي كل الأحوال، فإنّ الكتلة النيابيّة التي يرأسها النائب وليد جنبلاط حاليًا مُرشّحة إلى التقلّص جزئيًا في الإنتخابات المقبلة.

خامسًا: بالنسبة إلى الأحزاب الصغيرة مثل "الكتائب اللبنانيّة" و"تيّار المردة" و"الحزب القومي السوري" و"البعث العربي الإشتراكي"، فإنّ تحالفاتها مُختلفة، حيث أنّ "الكتائب" يسعى جاهدًا للتحالف مع قوى المُجتمع المدني ومع الشخصيّات المسيحيّة المناطقيّة في مُختلف الدوائر، وهو لن يُمانع التحالف مع "تيّار المردة" في دائرة "بشرّي-زغرتا-الكورة-البترون"، إضافة إلى كونه سيستغلّ موقعه المُعارض لتعزيز شعبيّته قدر المُستطاع إلى حين إجراء الإنتخابات. و"المردة" سيسعى بدوره إلى التحالف مع "القومي" حيث يوجد قواعد شعبيّة لكل منهما، وهما سينضويان، مثلهما مثل "البعث" ضمن اللوائح المدعومة من قوى "8 آذار"، و"حزب الله" بالتحديد. ومن المُرجّح أنّ تبقى الكتل النيابية لهذه الأحزاب من دون تغييرات كبيرة، لجهة إحتمال خسارة مقعد من هنا أو ربح مقعد من هناك، لا أكثر.

سادسًا: بالنسبة إلى الشخصيّات المُستقلّة، ولا سيّما في الأوساط المسيحيّة، والشخصيّات المُصنّفة ضمن وجوه "المُجتمع المدني" فإنّ إحتمال دخولها في لوائح مُشتركة مرتفع، وهي في كل الأحوال لن تتمكّن من إحداث أي خرق في اللوائح الحزبيّة المُتماسكة، إلا في حال قيامها بتشكيل لوائح مُنافسة مبنيّة على أسس واضحة وعلى قواعد مدروسة بعناية. وبالنسبة إلى النتائج فإنّ إمكانيّة الخرق ستكون موجودة فقط في حال التمكّن من توحيد كل قوى "المُجتمع المدني" ضُمن لوائح مُحدّدة مدعومة من شخصيّات مناطقيّة، أمّا في حال وجود أكثر من لائحة لهذه القوى ضمن الدائرة نفسها، فإنّ الفشل في الإختراق سيكون من نصيبها.

في الختام، لا شكّ أنّ كل الترجيحات الحالية تبقى غير دقيقة في إنتظار وُضوح طبيعة التحالفات التي ستقوم عشيّة الإنتخابات، ووُضوح مدى تأثير الظروف السياسيّة في حينه على الرأي العام اللبناني، لا سيّما منه الفئة المُستقلّة نوعًا ما عن الأحزاب السياسيّة. ولا شك أيضًا أنّ اللجوء إلى التصويت النسبي لأوّل مرّة في لبنان قد يُفاجئ الكثيرين بنتائجه، حتى المسؤولين الذين قاموا بإعداد القانون إضافة طبعًا إلى الذين وافقوا عليه كأمر واقع لا مفرّ منه!